{قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} (الإسراء، 107)
. وقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (الكهف، 29)
. {فسوف تعلمون} عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب. ولما بين تعالى بالدلائل القاهرة فساد قول أهل الشرك والتشبيه شرح تفاصيل أقوالهم، وبين فسادها بأنواع الأوّل قوله تعالى:
{ويجعلون} أي: المشركون {لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم} من الحرث والأنعام بقولهم هذا لله وهذا لشركائنا. تنبيه: الضمير في قوله تعالى: {لما لا يعلمون} عائد على الأصنام، أي: أنّ الأصنام لا تعي شيئاً البتة لأنها جماد والجماد لا علم له. وقيل: عائد إلى المشركين، ومعنى لا يعلمونها أنهم يسمونها آلهة فيعتقدون فيها جهالات مثل أنها تنفعهم وتشفع لهم وليس الأمر كذلك. ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه على نفسه أنه يسألهم يوم القيامة بقوله تعالى: {تالله لتسألنّ} سؤال توبيخ وفيه التفات من الغيبة إلى الحضور وهو من بديع الكلام وبليغه. {عما كنتم تفترون} على الله من أنه أمركم بذلك. تنبيه: في وقت السؤال احتمالان الأوّل: أنه يقع عند القرب من الموت. الثاني: أنه يقع في الآخرة. قال الرازي: وهذا أولى. النوع الثاني قوله تعالى: {ويجعلون لله البنات} ونظيره قوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} كانت خزاعة وكنانة يقولون الملائكة بنات الله. قال الرازي: أظنّ أنّ العرب إنما أطلقوا لفظ البنات على الملائكة لاستتارهم عن العيون، فأشبهوا النساء في الاستتار فأطلقوا عليهم البنات. قال ابن عادل: وهذا الذي ظنه ليس بشيء فإنّ الجنّ أيضاً مستترون عن العيون، ولم يطلقوا عليهم لفظ البنات. ولما حكى الله تعالى عنهم هذا القول، قال تعالى: {سبحانه} وفيه وجهان: الأوّل: أن يكون المراد تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه الثاني: تعجيب الخلق من هذا الأمر والجهل الصريح وهو وصف الملائكة بالأنوثة ثم نسبتها بالولدية إلى الله تعالى، قيل في التفسير: معناه معاذ الله وذلك مقارب للوجه الأوّل. ولما ذكر الله تعالى إلى ما جعلوا له مع الغنى المطلق بين ما نسبوا لأنفسهم مع لزوم الحاجة والضعف بقوله تعالى: {ولهم ما يشتهون} من البنين وقد يكونون أعداء أعدائهم. ثم إنه تعالى ذكر أنّ الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالولد البنت لنفسه فكيف
يثبته لله تعالى؟ فقال:
{وإذا بشر أحدهم بالأنثى} أي: أخبر بولادتها {ظل وجهه} أي: صار أو دام النهار كله {مسودًّا} من الكآبة والحياء من الناس واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتخجيل كما أنّ بياض الوجه وإشراقه كناية عن الفرح والسرور. {وهو كظيم} أي: مملوء غيظاً على المرأة ولا ذنب لها بوجه والبشارة في أصل اللغة الخبر الذي يغير البشرة من حزن أو سرور، ثم خص في عرف اللغة بالسرور ولا يكون إلا بالخبر الأوّل فالمراد بالبشارة هنا الإخبار كما مرّ. وقول الرازي: إنّ إطلاقه على الخير والشر داخل في التحقيق خلاف المشهور.
{يتوارى} أي: يستحي {من القوم} أي: من الرجال الذين هو فيهم {من سوء ما بشر به} خوفاً من التعيير وذلك أنّ العرب كانوا في الجاهلية إذا قرب ولادة زوجة أحدهم توارى عن القوم إلى أن يعلم ما ولد له فإن ولد له ذكر ابتهج وسرّ بذلك وظهر، وإن كانت أنثى حزن ولم يظهر أياماً متردّداً ماذا يفعل بذلك الولد {أيمسكه} أي: يتركه بغير قتل {على هون} هوان وذل {أم يدسه في التراب} وذكر الضمير في يمسكه ويدسه نظراً للفظ الولد أو