وقوله تعالى: {أفأمن الذين مكروا السيئات} فيه إضمار تقديره المكرات السيئات وهم كفار قريش مكروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبالقرآن في أذيتهم والمكر عبارة عن السعي بالفساد على سبيل الإخفاء ثم إنه تعالى ذكر في تهديدهم أربعة أمور الأوّل قوله تعالى: {أن يخسف الله بهم الأرض} كما خسف بقارون وأصحابه فإذا هم في بطنها لا يقدرون على نوع تقلب بمتابعة ولا غيرها. الثاني قوله تعالى: {أو يأتيهم العذاب} على غير تلك الحال {من حيث لا يشعرون} به فيأتيهم بغتة فيهلكهم كما فعل بقوم لوط عليه السلام. الثالث: قوله تعالى: {أو يأخذهم} أي: الله بعذابه {في} حالة {تقلبهم} ومشاعرهم حاضرة وقواهم مستجمعة وفي تفسير هذا التقلب وجوه أوّلها: أنه تعالى يأخذهم بالعقوبة في أسفارهم فإنه تعالى قادر على إهلاكهم في السفر كما أنه قادر على إهلاكهم في الحضر. {فما هم بمعجزين} أي: بفائتين العذاب بسبب ضربهم في البلاد البعيدة بل يدركهم الله تعالى حيث كانوا. ثانيها: أنه تعالى يأخذهم بالليل والنهار وفي حال إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم. وثالثها: أنّ الله تعالى يأخذهم في حال ما يتقلبون في قضايا أفكارهم فيحول الله بينهم وبين إتمام تلك الحيل وحمل لفظ التقلب على هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى: {وقلبوا لك الأمور} (التوبة، 48)
فإنهم إذا قلبوها فقد تقلبوا فيها.
الأمر الرابع: قوله تعالى:
{أو يأخذهم على تخوّف} وفي تفسير التخوّف قولان؛ الأوّل: التخوّف تفعل من الخوف يقال: خفت الشيء وتخوّفته، والمعنى: أنه تعالى لا يأخذهم بالعذاب أوّلاً بل يخيفهم أوّلاً ثم يعذبهم بعده، وتلك الإخافة هو أنه تعالى يهلك قرية فتخاف التي تليها فيأتيهم العذاب. والثاني: التخوّف بمعنى التنقص، أي: أنه تعالى ينقص شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوّفه إذا تنقصه. وروي أنّ عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر: ما تقولون في هذه الآية؟ فسكتوا. فقال شيخ من هذيل: هذه لغتنا التخوّف التنقص. فقال عمر: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير:
تخوّف، أي: تنقص ـ الرحل، أي: رحل ناقته ـ منها تامكاً، أي: سناماً ـ قردا،