من الله تعالى، كما روي أنّ العبد المؤمن إذا أشرف على الموت جاءه ملك فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بالجنة، ويقال لهم في الآخرة هذا جواب الأكثرين {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أو إنهم لمّا بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم، وكأنهم فيها فيكون المراد بقولهم: ادخلوا الجنة، أي: هي خاصة لكم كأنكم فيها. ولما طعن الكفار في القرآن بقولهم: {أساطير الأوّلين} وذكر أنواع التهديد والوعيد ثم أتبعه بذكر الوعد لمن وصف القرآن بكونه خيراً، عاد إلى بيان أنّ أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم وأقوالهم الباطلة إلا إذا جاءتهم الملائكة، وأتاهم أمر ربك فقال تعالى:

{هل ينظرون إلاأن تأتيهم الملائكة} لقبض أرواحهم. وقرأ حمزة والكسائي بالياء على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث وتقدّم توجيه ذلك {أو يأتي أمر ربك} أي: يوم القيامة وقيل: العذاب. وقيل: إنهم طلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينزل الله تعالى ملكاً من السماء يشهد على صدقه في ادّعاء النبوّة فقال تعالى: {هل ينظرون} في التصديق بنبوّتك إلا أن تأتيهم الملائكة شاهدين بذلك. وعلى كلا التقديرين، فقد قال تعالى: {كذلك} أي: مثل ما {فعل} هؤلاء هذا الفعل البعيد الشنيع فعل {الذين من قبلهم} من الأمم السالفة، كذبوا رسلهم فأهلكوا {وما ظلمهم الله} باهلاكهم بغير ذنب. {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بكفرهم وتكذيبهم للرسل فاستوجبوا ما نزل بهم {فأصابهم} أي: فتسب عن ظلمهم لأنفسهم أن أصابهم {سيئات} أي: عقوبات أو جزاء سيئات {ما عملوا وحاق} أي: نزل {بهم ما كانوا به يستهزؤون} تكبراً عن قبول الحق فحاق بهم جزاؤه، والحيق لا يستعمل إلا في الشر. وقرأ حاق حمزة بالإمالة والباقون بالفتح.

{وقال الذين أشركوا} للنبيّ صلى الله عليه وسلم استهزاء ومنعاً للبعثة والتكليف {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا} لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل وهو اعتقاد باطل، فلذلك استحقوا عليه الذم والوعيد ثم قالوا لهم: {ولا حرّمنا من دونه من شيء} أي: من السوائب والبحائر والحامي فهو راض به وبمشيئته وحينئذ فلا فائدة في مجيئك وفي إرسالك وهذا عين ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة الأنعام في قوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله} (الأنعام، 148)

الآية. قال الله تعالى: {كذلك فعل الذين من قبلهم} أي: من تقدّم هؤلاء من الكفار من الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديماً في الأمم الخالية ففي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وكذا في قوله تعالى: {فهل على الرسل إلا البلاغ} أي: الإبلاغ. {المبين} أي: البين فليس عليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه.

ثم بين تعالى أنّ البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها سبباً لهدى من أراد اهتداءه، وزيادة لضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضرّ المزاج المنحرف ويفنيه بقوله تعالى: {ولقد} أي: والله لقد {بعثنا} أي: بما لنا من العظمة التي من اعترض عليها قصم. {في كل أمّة} من الأمم الذين من قبلكم {رسولاً} أي: كما بعثنا فيكم محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً. {أن اعبدوا الله} أي: الملك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015