وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. فقال رجل: يا رسول الله، إنّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً؟ قال: إنّ الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس» ومعنى بطر الحق أنه يستكبر عند سماع الحق فلا يقبله ومعنى غمص الناس استنقاصهم وازدراؤهم. ولما بالغ سبحانه وتعالى في دلائل التوحيد وأورد الدلائل القاهرة في إبطال مذاهب عبدة الأصنام قال تعالى عاطفاً على قلوبهم منكرة: {وإذا قيل لهم} أي: لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة وقوله تعالى: {ما} استفهامية و {ذا} موصولة، أي: ما الذي {أنزل ربكم} على محمد صلى الله عليه وسلم واختلف في قائل هذا القول فقيل: كلام بعضهم لبعض، وقيل: قول المسلمين لهم، وقيل: قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {قالوا} مكابرين في إنزال القرآن هو {أساطير} أي: آكاذيب {الأوّلين} مع عجزهم بعد تحديهم عن معارضتهم أقصر سورة منه مع علمهم بأنهم أفصح الناس وأنه لا يكون من أحد من الناس متقدّم أو متأخر قول إلا قالوا أبلغ منه. فإن قيل: هذا كلام متناقض لأنه لا يكون منزلاً من ربهم وأساطير؟ أجيب: بأنهم قالوه على سبيل السخرية كقوله: {إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} (الشعراء، 27)
واللام في قوله تعالى: {ليحملوا} لام العاقبة كما في قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزناً} (القصص، 80)
وذلك لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين كان عاقبتهم بذلك أن يحملوا {أوزارهم} أي: ذنوب أنفسهم وإنما قال تعالى: {كاملة} لئلا يتوهم أنه يكفر عنهم شيء بسبب البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البرّ التي عملوها في الدنيا بل يعاقبون بكل أوزارهم {يوم القيامة} الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه. قال الرازي: وهذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلاً في حق الكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة {و} ليحملوا أيضاً {من} جنس {أوزار} الجهلة الضعفاء {الذين يضلونهم} وقوله تعالى: {بغير علم} حال من مفعول يضلونهم، أي: يضلون من يعلم أنهم ضلال أو من الفاعل وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل وإنما حصل للرؤوساء الذين أضلوا غيرهم وصدّوهم عن الإيمان مثل أوزار الأتباع لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» أخرجه مسلم. ومعنى الآية والحديث أنّ الرئيس والكبير إذا سنّ سنة حسنة أو سيئة قبيحة فتبعه عليها جماعة فعملوا بها فإن الله تعالى يعطيهم ثوابه وعقابه حتى يكون ذلك الثواب والعقاب مساوياً لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع الذين عملوا بالسنة الحسنة أو القبيحة، وليس المراد بأن الله يوصل جميع الثواب أو العقاب الذي يستحقه