أي: الشأن {لا إله إلا أنا} أي: لا إله غيري وقوله تعالى: {فاتقون} أي: خافوني رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود. تنبيه: في قوله تعالى: {أن أنذروا} ثلاثة أوجه أحدها: أنها المفسرة لأنّ الوحي فيه ضرب من القول والإنزال بالروح عبارة عن الوحي قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} (الشورى، 52)
. الثاني: أنها المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف. الثالث: أنها المصدرية التي من شأنها نصب المضارع ووصلت بالأمر كقولهم: كتبت إليه بأن قم والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة وأنّ النبوّة عطاءة. ولما وحد سبحانه وتعالى نفسه ذكر الآيات الدالة على وحدانيته من حيث أنها تدلّ على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة بقوله تعالى:
{خلق السموات} أي: التي هي السقف المظل {والأرض} أي: التي هي البساط المقل. {بالحق} أي: أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته {تعالى} أي: تعالياً فات الوصف {عما يشركون} به من الأصنام. ولما كان خلق السموات والأرض غيباً لتقدّمه وكان خلق الإنسان على هذه الصفة شهادة فتكون أقوى في الدلالة على وحدانيته تعالى قال تعالى: {خلق الإنسان} أي: هذا النوع {من نطفة} أي: آدم عليه السلام من مطلق الماء ومن تفرع منه بعد زوجه حوّاء من ماء مقيد بالدفق إلى أن صيره قوياً شديداً {فإذا هو خصيم} أي: شديد الخصومة {مبين} أي: بينها. روي أنّ أبيّ بن خلف الجمحي وكان ينكر البعث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم فقال: تزعم يا محمد أنّ الله يحيي هذا العظم بعدما قد رمّ فنزلت هذه الآية، ونزل فيه أيضاً قوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم} (يس، 78)
. قال الخازن في تفسيره: والصحيح أنّ الآية عامة في كل ما يقع فيه الخصومة في الدنيا ويوم القيامة وحملها على العموم أولى. ولما كان أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي بعد الإنسان سائر الحيوانات وأشرفها الأنعام ذكرها بقوله تعالى:
{والأنعام} أي: الأزواج الثمانية الضأن، والمعز، والإبل، والبقر، ونصبه بفعل يفسره {خلقها} . قال الواحدي: تم الكلام عند قوله: {والأنعام خلقها} ثم ابتدأ فقال: {لكم فيها دفء} أي: ما يدفأ به من اللباس والأكسية ونحوها المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار. قال: ويجوز أيضاً أن يكون تمام الكلام عند قوله: {والأنعام خلقها لكم} ثم ابتدأ فقال تعالى: {فيها دفء} . قال الرازي: قال صاحب النظم: وأحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله تعالى: {خلقها} والدليل عليه أنه عطف عليه {ولكم فيها جمال} والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال. ولما ذكر تعالى الأنعام ذكر لها أنواعاً من المنافع الأوّل: قوله تعالى: {لكم فيها دفء} . والنوع الثاني: قوله تعالى: {ومنافع} أي: ولكم فيها منافع من نسلها ودرها وركوبها والحمل عليها وسائر ما ينتفع به من الأنعام وإنما عير تعالى عن ذلك بلفظ المنفعة وهو اللفظ الدال على الوصف الأعم لأنّ الدر والنسل قد ينتفع به في الأكل وقد ينتفع به في البيع بالنقود وقد ينتفع به بأن يبدل بالثياب وسائر الضروريات، فعبر عن جملة هذه الأقسام بلفظ المنافع ليتناول الكل. النوع الثالث: قوله تعالى: {ومنها تأكلون} فإن قيل: تقديم الظرف يفيد الحصر لأنّ تقديم