فيقول بعضهم: سورة البقرة لي، ويقول بعضهم: سورة آل عمران لي. وقيل: اقتسموا القرآن فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: شعر. وقال بعضهم: كذب. وقال بعضهم: أساطير الأوّلين. وقيل: هم أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض على أنّ القرآن ما يقرؤونه من كتبهم فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم وقولهم سحر وشعر وأساطير الأوّلين بأنّ غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم.l
تنبيه: عضين جمع عضة وهي الفرقة والعضين الفرق وتقدّم معنى جعلهم القرآن كذلك وقيل: العضة السحر بلغة قريش يقولون هو عاضه وهي عاضهة. وفي الحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم العاضهة والمستعضهة» ، أي: الساحرة والمستسحرة وقيل: هو من العضه وهو الكذب والبهتان، يقال: عضهه عضها وعضيهة، أي: رماه بالبهتان وقيل: جمع عضو مأخوذ من قولهم: عضيت الشيء أعضيه إذا فرقته وجعلته أجزاء وذلك أنهم جعلوا القرآن أعضاء مفرقة فقال بعضهم: سحر. وقال بعضهم: أساطير الأوّلين. ثم أقسم سبحانه وتعالى بنفسه على أنه يسأل هؤلاء المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين بقوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} فيكون الضمير عائداً على المقتسمين لأنه الأقرب ويحتمل أن يعود على جميع المكلفين لأنّ ذكرهم تقدّم في قوله تعالى: {وقل إني أنا النذير المبين} (الحجر، 89)
أي: لجميع الخلق قال جماعة من المفسرين: يسألون عن لا إله إلا الله. وقال أبو العالية: يسألون عما كانوا يعبدون وما أجابوا به المرسلين. فإن قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين} وبين قوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} (الرحمن، 39)
أجيب: بأنّ النفي ينصرف إلى بعض الأوقات والاثبات إلى وقت آخر لأنّ يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف يسألون في بعضها ولا يسألون في بعض آخر. ونظيره قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون} (المرسلات، 35)
. وقال في آية أخرى: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} (الزمر، 31)
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم
{فاصدع} أي: اجهر بعلو وشدّة فارقاً بين الحق والباطل. وقرأ حمزة والكسائي بإشمام الصاد الساكنة قبل الدال والباقون بالصاد الخالصة. {بما} أي: بسبب ما {تؤمر} به. أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة. روي عن عبد الله بن عبيدة قال: كان مستخفياً حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه. {وأعرض} أي: إعراض من لا يبالي {عن المشركين} بالصفح الجميل عن الأذى والاجتهاد في الدعاء ولا تلتفت إلى لومهم إياك على إظهار الدعوة. قال بعض المفسرين كالبغوي: وهذا منسوخ بآية القتال، قال الرازي: وهو ضعيف لأنّ معنى هذا الإعراض ترك المبالاة بهم فلا يكون منسوخاً. ولما كان هذا الصدع في غاية الشدّة عليه صلى الله عليه وسلم لكثرة ما يلقى عليه من الأذى خفف عنه سبحانه وتعالى بقوله معللاً له:
{إنا} أي: بما لنا من العظمة والقدرة {كفيناك المستهزئين} أي: شرّ الذين هم عريقون في الاستهزاء وهم خمسة نفر من رؤوساء قريش الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث، ووصف سبحانه وتعالى هؤلاء بقوله تعالى:
{الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر} وقيل: ليس بصفة بل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره