كأنه طال عليه الليل فخاطب ضجيعته بذلك أو كان يحب طول الليل للوصال. وقرأ نافع وابن كثير بوصل همزة فأسر بعد الفاء من السرى، والباقون بالقطع وهما بمعنى. {واتبع أدبارهم} أي: وكن على آثار أهلك وسر خلفهم وتطلع على أحوالهم {ولا يلتفت منكم أحد} أي: لئلا يرى أليم ما نزل بهم من البلاء، وقيل: جعل ترك الإلتفات علامة لمن ينجو من آل لوط {وامضوا حيث تؤمرون} أي: إلى المكان الذي أمركم الله بالمضيّ إليه، قال ابن عباس: هو الشأم. وقال الفضيل: حيث يقول لكم جبريل وذلك أن جبريل أمرهم أن يمضوا إلى قرية معينة ما عمل أهلها عمل قوم لوط، وقيل: إلى الأردن، وقيل: إلى مصر. تنبيه: حيث ههنا على بابها من كونها ظرف مكان مبهم ولإبهامها تعدى إليها الفعل من غير واسطة.
{وقضينا} أي: وأوحينا {إليه} ولما ضمن قضينا معنى الإيحاء تعدى بإلى ومثله {وقضينا إلى بني إسرائيل} (الإسراء، 4)
وقوله تعالى: {ذلك الأمر} مبهم تفسيره {أن دابر هؤلاء مقطوع} أي: مستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد وقوله تعالى: {مصبحين} حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى فإن دابر هؤلاء في معنى مدبري هؤلاء، أي: يتم استئصالهم في الصباح.
{وجاء أهل المدينة} أي: مدينة من مدائن قوم لوط وهي سذوم بسين مهملة وذال معجمة وأخطأ من قال بمهملة {يستبشرون} أي: بأضياف لوط طمعاً فيهم وليس في الآية دليل على المكان الذي جاؤوه إلا أن القضية تدل على أنهم جاؤوا دار لوط. وقيل: إن الملائكة لما كانوا في غاية الحسن اشتهر خبرهم حتى وصل إلى قوم لوط. وقيل: امرأة لوط أخبرتهم بذلك. قال الرازي: وبالجملة فالقوم قالوا نزل بلوط ثلاثة من المرد ما رأينا قط أصبح وجهاً ولا أحسن شكلاً منهم فذهبوا إلى دار لوط طلباً منهم لأولئك المرد والاستبشار إظهار السرور ولما وصلوا إليه.
{قال} لهم لوط: {إن هؤلاء ضيفي} أي: وحق على الرجل إكرام الضيف {فلا تفضحون} فيهم يقال: فضحه إذا أظهر من أمره ما يلزم به العار وإذا قصد الضيف بسوء كان ذلك إهانة لصاحب المحل ثم أكد ذلك بقوله:
{واتقوا} أي: خافوا {الله} في أمرهم {ولا تخزون} أي: ولا تخجلوني فيهم بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة من الخزاية وهي الحياء أو لا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان.
{قالوا} أي: قومه في جواب قوله لهم {أو لم ننهك عن العالمين} أي: عن أن تضيف أحداً من العالمين، وقيل: أو لم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة فإنا نطلب منهم الفاحشة، وقيل: أو لم ننهك أن تمنع بيننا وبينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان لوط عليه السلام يمنعهم عنهم بقدر وسعه
ثم {قال} لهم: {هؤلاء بناتي} أي: نساء القوم لأن كل أمة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهنّ وخلوا بني فلا تتعرّضوا لهم {إن كنتم فاعلين} أي: ما أقول لكم أو قضاء الشهوة والكلام في ذلك قد مرّ بالاستقصاء في سورة هود وقرأ نافع بفتح ياء بناتي والباقون بسكونها قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على لسان ملائكته:
{لعمرك} أي: وحياتك وما أقسم بحياة أحد غيره وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله تعالى {إنهم لفي سكرتهم} أي: شدّة غفلتهم التي أزالت عقولهم {يعمهون} أي: يتحيرون الخطاب للوط عليه السلام قالت له الملائكة ذلك، أي: