{عن ضيف إبراهيم} وهم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة منهم جبريل عليه السلام. فإن قيل: الضيف هو المنضم إلى غيره لطلب القرى؟ أجيب: بأنّ هؤلاء سموا بهذا الاسم لأنهم على صورة الضيف فهو من دلالة التضمن وقيل أيضاً: إنّ من يدخل دار إنسان ويلتجئ إليه يسمى ضيفاً وإن لم يأكل.

{إذ دخلوا عليه} أي: إبراهيم وكان يكنى أبا الضيفان كان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد {فقالوا سلاما} أي: نسلم عليك سلاماً أو سلمت سلاماً {قال} إبراهيم عليه السلام بلسان الحال أو المقال {إنا} أي: أنا ومن عندي {منكم وجلون} أي: خائفون وكان خوفهم لامتناعهم من الأكل أو لأنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت والوجل اضطراب النفس لتوقع ما تكره.

{قالوا لا توجل} أي: لا تخف {إنا} رسل ربك {نبشرك بغلام} أي: ولد ذكر في غاية القوّة ليس كأولاد الشيوخ ضعيفاً. وقرأ حمزة بفتح النون وسكون الباء وضم الشين مخففة والباقون بضم النون وفتح الباء وكسر الشين مشدّدة {عليم} أي: ذي علم كثير هو إسحاق عليه السلام كما ذكر في هود وتقدّم ذكر القصة هناك بأسرها {قال} إبراهيم عليه السلام

{أبشرتموني} أي: بالولد وقوله: {على أن مسني الكبر} حال، أي: مع مسه إياي. فإن قيل: كيف قال {فبم} أي: فبأيّ شيء {تبشرون} أي: بينوا لي ذلك بياناً شافياً مع أنهم قد بينوا ما بشروا به وما فائدة هذا الاستفهام؟ أجيب: بأنه أراد أن يعرف أنّ الله تعالى هل يعطيه الولد مع بقائه على صفة الشيخوخة أو يقلبه شاباً ثم يعطيه الولد، والسبب في هذا الاستفهام أنّ العادة جارية بأنه لا يحصل في حالة الشيخوخة التامّة، وإنما يحصل في حال الشباب أو أنه استفهام تعجب ويدل لذلك قولهم:

{قالوا بشرناك بالحق} قال ابن عباس: يريدون بما قضاه الله تعالى والمعنى أنّ الله تعالى قضى أن يخرج من صلب إبراهيم إسحاق ويخرج من صلب إسحاق ذرية مثل ما أخرج من صلب آدم وقولهم: {فلا تكن} أي: بسبب تبشيرنا {من القانطين} أي: الآيسين، نهي لإبراهيم عليه السلام عن القنوط ونهي الإنسان عن الشيء لا يدل على كونه فاعلاً للمنهي عنه، كما في قوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} (الأحزاب، 1)

ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه

{قال ومن يقنط} أي: ييأس من هذا اليأس. {من رحمة ربه} أي: الذي لم يزل إحسانه عليه {إلا الضالون} أي: المخطئون طريق الاعتقاد الصحيح في ربهم من تمام القدرة وأنه لا تضره معصية ولا تنفعه طاعة وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون والباقون بفتحها ولما تحقق عليه السلام البشرى ورأى إتيانهم مختفين على غير الصفة التي يأتي عليها الملك للوحي وكان هو وغيره من العارفين بالله عالمين بأنه ما ينزل الملك إلا بالحق كان ذلك سبباً لأن يسألهم عن أمرهم ليزول وجله كله ولذلك

{قال} عليه السلام {فما} بفاء السبب {خطبكم} أي: شأنكم. قال أبو حيان: والخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد اه. وقال الرماني: إنه الأمر الجليل. {أيها المرسلون} فإنكم ما جئتم إلا لأمر عظيم يكون فصلاً بين هالك وناج.

{قالوا إنا أرسلنا} أي: أرسلنا العزيز الحكيم الذي أنت أعرف الناس في هذا الزمان به {إلى} إهلاك {قوم} أي: ذوي منعة {مجرمين} أي: كافرين وهم قوم لوط وقوله تعالى:

{إلا آل لوط}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015