زيد عرضه مصون وماله مبذول.
الرابع: أن تكون أعمالهم بدلاً من قوله: {مثل الذين كفروا} ، والتقدير مثل أعمالهم وقوله تعالى: {كرماد} هو الخبر. وقيل: غير ذلك. وقوله تعالى:
{ألم تر} ، أي: تنظر خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به أمّته، وقيل: لكل واحد من الكفرة على الالتفات. {أنّ الله خلق السموات} على عظمها وارتفاعها {والأرض} على تباعد أقطارها واتساعها، وقوله تعالى: {بالحق} ، أي: بالحكمة، والوجه الذي يحق أن تخلق عليه متعلق بخلق. وقرأ حمزة والكسائي بألف بعد الخاء وكسر اللام، ورفع القاف، وخفض الأرض. والباقون بغير ألف بعد الخاء، وفتح اللام والقاف، ونصب الأرض. {إن يشأ يذهبكم} أيها الناس {ويأت} بدلكم {بخلق جديد} أطوع منكم، رتب ذلك على كونه خالق السموات والأرض استدلالاً به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم قدر أن يبدلهم بخلق آخر، ولم يمتنع عليه كما قال تعالى:
{وما ذلك على الله بعزيز} ، أي: بممتنع، فإنه تعالى قادر بذاته، ولا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن هذا شأنه كان حقيقاً أن يؤمن به، ويعبد رجاء ثوابه وخوفاً من عقابه يوم الجزاء. ولما ذكر تعالى أصناف عذاب هؤلاء الكفار، وذكر عقبه أن أعمالهم تصير محبطة باطلة ذكر كيفية مجادلتهم عند تمسك أتباعهم بهم وكيفية افتضاحهم عندهم بقوله تعالى:
{وبرزوا} ، أي: الخلائق من قبورهم {لله جميعاً} والتعبير فيه وفيما يأتي بالماضي، وإن كان معناه الاستقبال لتحقق وقوعه؛ لأنّ كل ما أخبر الله تعالى عنه فهو حق وصدق وكائن لا محالة، فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود، ونظيره: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} (الأعراف، 44)
تنبيه: البروز في اللغة الظهور بعد الاستتار، وهو في حق الله تعالى محال، فلا بدّ من تأويله وهو من وجهين:
الأوّل: أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أنّ ذلك خاف على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عن أنفسهم، وعلموا أنّ الله تعالى لا تخفى عليه خافية.
الثاني: أنهم خرجوا من قبورهم، فبرزوا لحساب الله تعالى وحكمه. ثم حكى الله تعالى؟ عنهم أنّ الضعفاء يقولون للرؤوساء هل تقدرون على دفع عذاب الله تعالى عنا بقوله تعالى: {فقال الضعفاء} ، أي: الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعفاء الرأي {للذين استكبروا} ، أي: المتبوعين الذين طلبوا الكبر، وادّعوه فاستغووهم به حتى تكبروا على الرسل، وقوله تعالى: {إنا كنا لكم تبعاً} يصح أن يكون مصدراً نعت به للمبالغة، أو على إضمار مضاف وأن يكون جمع تابع، أي: تابعين لكم في تكذيب الرسل، فكنتم سبب ضلالنا، وقد جرت عادة الأكابر بالدفع عن أتباعهم المساعدين لهم على أباطيلهم {فهل أنتم} ، أي: في هذا اليوم {مغنون} ، أي: دافعون {عنا من عذاب الله} ، أي: من انتقامه {من شيء} فإن قيل: فما الفرق بين من في عذاب الله وبين من في شيء؟ أجيب: بأنّ الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل: هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو من بعض عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معاً بمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله، وعند هذا حكى الله تعالى عن الذين استكبروا أنهم قالوا: {لو هدانا الله} ، أي: الذي له صفات الكمال {لهديناكم} ، أي: لو أرشدنا الله تعالى لارشدناكم، ودعوناكم إلى الهدى، ولكنه لم يهدنا، فضللنا