القول أو أجرى الايحاء مجرى القول؛ لأنه ضرب منه.
{ولنسكننكم الأرض} ، أي: أرضهم {من بعدهم} ، أي: بعد هلاكهم ونظيره قوله تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} (الأعراف، 137)
وقوله تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم} (الأحزاب، 27)
. قال الزمخشري: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من آذى جاره ورثه الله داره» . قال: ولقد عاينت هذا في مدّة قريبة كان لي خال يظلمه عظيم القرية التي أنا فيها ويؤذيني فيه فمات ذلك العظيم، وملكني الله ضيعته، فنظرت يوماً إلى أبناء خالي يتردّدون، منها ويأمرون وينهون فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثتهم به وسجدنا شكراً لله تعالى. {ذلك} ، أي: النصر وإيراث الأرض {لمن خاف مقامي} ، أي: موقفي وهو موقف الحساب؛ لأنّ ذلك الموقف موقف الله الذي يوقف فيه عباده يوم القيامة ونظيره {وأمّا من خاف مقام ربه} (النازعات، 40)
وقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرخمن، 46)
وقيل: {ذلك لمن خاف مقامي} (إبراهيم، 14) ، أي: خافني، فالمقام مقحم مثل ما يقال: سلام على المجلس العالي والمراد السلام على فلان {وخاف وعيد} قال ابن عباس: ما أوعدت من العذاب، وهذا يدل على أنّ الخوف من الله غير الخوف من وعيده؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة، وفي تفسير قوله تعالى:
{واستفتحوا} قولان: أحدهما: طلب الفتح، أي: واستنصروا الله تعالى على أعدائهم وهو كقوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} (الأنفال، 19)
والثاني: الفتح الحكم والقضاء، أي: واستحكموا الله وسألوه القضاء بينهم، وهو مأخوذ من الفتاحة، وهي الحكومة كقوله تعالى: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} (الأعراف، 89)
. فعلى القول الأول المستفتح هم الرسل؛ لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم. قال نوح: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} (نوح، 26)
وقال موسى: {ربنا اطمس على أموالهم} (يونس، 88)
وقال لوط: {انصرني على القوم المفسدين} (العنكبوت، 30)
. وعلى القول الثاني: قال الرازي: فالأولى أن يكون المستفتح هم الأمم وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين، فعذبنا، ومنه قول كفار {قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} (الأنفال، 32)
. وكقول آخرين: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} (العنكبوت، 29)
. {وخاب} ، أي: خسر وهلك {كل جبار} ، أي: متكبر عن طاعة الله، وقيل: هو الذي لا يرى فوقه أحداً، وقيل: هو المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه، واختلفوا في قوله تعالى: {عنيد} فقال مجاهد: معاند للحق ومجانبه. وقال ابن عباس: هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل: هو المتكبر. وقال قتادة: هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله، وقيل: هو المعجب بما عنده. ولما حكم تعالى على الكافر بالخيبة، ووصفه بكونه جباراً عنيداً وصف كيفية عذابه بأمور: الأوّل: قوله تعالى:
{من ورائه} ، أي: أمامه {جهنم} ، أي: هو صائر إليها. قال أبو عبيدة: هو من الأضداد وقال الشاعر:
*عسى الكرب الذي أمسيت فيه
... يكون وراءه فرج قريب
ويقال أيضاً: الموت وراء كل أحد. وقال تعالى: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً} (الكهف، 79) ، أي: أمامهم. وقال ثعلب: هو اسم لما توارى عنك سواء كان خلفك أم قدامك، فيصح إطلاق لفظ الوراء على خلف وقدّام. وقال ابن الأنباري: وراء بمعنى بعد. قال الشاعر: وليس وراء الله للخلق مهرب.
ومعنى الآية على هذا: أن الكافر بعد الخيبة يدخل جهنم.
الأمر الثاني: ما ذكره تعالى بقوله: