يشك فيه. فإن قيل: إنهم قالوا أولاً: إنّا كفرنا بما أرسلتم به، فكيف يقولون ثانياً (وإنا لفي شك) والشك دون الكفر؟ أجيب: بأنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل كلهم حصل لهم شبه توجب الشك لهم فقالوا: إن لم ندع الجزم واليقين في كفرنا فلا أقلّ من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم، وعلى التقديرين فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم. ولما قال هؤلاء الكفار للرسل ذلك.

{قالت} لهم {رسلهم} مجيبين {أفي الله شك} ، أي: هل تشكون في الله؟ وهو استفهام انكار، أي: لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه منها قوله تعالى: {فاطر} ، أي: خالق {السموات والأرض} ، أي: وما فيهما من الأنفس والأرواح والأرزاق، وقرأ أبو عمرو رسلهم هنا وفيما مر في {جاءتهم رسلهم} بإسكان السين، والباقون بالرفع. ولما أقاموا الدليل على وجود الله تعالى وصفوه بكمال الرحمة بقولهم: {يدعوكم} ، أي: إلى الإيمان ببعثنا وقولهم: {ليغفر لكم} اللام متعلقة بيدعو، أي: لأجل غفران ذنوبكم كقوله:

*دعوت لما نالني مسورا

... فلبى فلبى يدي مسور

ويجوز أن تكون معدية كقوله: دعوتك لزيد، والتقدير: يدعوكم إلى غفران ذنوبكم وقوله: {من ذنوبكم} قال السيوطي: من زائدة فإنّ الإسلام يغفر به ما قبله، أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد اه. أي: والمغفور لهم ما بينهم وبين الله تعالى. قال الرازي: والعاقل لا يجوز له المصير إلى كلمة من كلام الله تعالى بأنها زائدة من غير ضرورة اه.

وقال في «الكشاف» : ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله: {واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم} (نوح: 3، 4) {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم} (الأحقاف، 32) . وقال في خطاب المؤمنين: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم} (الصف: 11، 12)

وغيرذلك مما يوقفك عليه الاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، وأن لا يسوّى بين الفريقين في المعاد اه. قال الرازي: وأما قول «الكشاف» فهو من باب الظلمات؛ لأنّ هذا التبعيض إن حصل فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب، وإن لم يحصل كان هذا الكلام فاسداً. {ويؤخركم} ، أي: ولا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة في الإهلاك لمن خالفهم بل يؤخركم. {إلى أجل مسمى} ، أي: إلى وقت قد سماه وبين مقداره يبلغكموه إن أنتم آمنتم به، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت إن أنتم ما آمنتم. فإن قيل: أليس قال تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (الأعراف، 34)

فكيف قال هنا: {ويؤخركم إلى أجل مسمى} (إبراهيم، 10)

أجيب: بأنّ الأجل على قسمين: معلق ومبرم.Y

{قالوا} ، أي: الأمم مجيبين للرسل. {إن} ، أي: ما {أنتم} أيها الرسل {إلا بشر مثلنا} ، أي: لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوّة دوننا ولو أرسل الله تعالى إلى البشر رسلاً لجعلهم من جنس، أي: من البشر في زعم القائلين أفضل، وقول «الكشاف» : وهم الملائكة جار على مذهبه. {تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا} ، أي: ما تريدون بقولكم هذا إلا صدّنا عن آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها {فأتونا بسلطان مبين} ، أي: بحجة ظاهرة على صدقكم. ولما حكى الله تعالى عن الكفار شبهاتهم في الطعن في النبوّة حكى عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جوابهم عنها بقوله تعالى:

{قالت لهم رسلهم} مجيبين لهم {إن} ، أي: ما {نحن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015