الله} ، أي: وحده، ولذلك قال: {ولا أشرك به} شيئاً {إليه} وحده {أدعو وإليه مآب} ، أي: مرجعي للجزاء لا إلى غيره.
{وكذلك} ، أي: كما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسانهم {أنزلناه} ، أي: القرآن {حكماً} والحكم فصل الأمر على الحق {عربياً} بلسانك ولسان قومك، وإنما سمي القرآن حكماً؛ لأنّ فيه جميع التكاليف والحلال والحرام، والنقض والإبرام، فلما كان سبباً للحكم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة. وروي أنّ المشركين كانوا يدعون النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه، فوعده الله تعالى على متابعتهم في تلك المذاهب بأن يصلى إلى قبلتهم بعد ما حوّله الله تعالى عنها بقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم} ، أي: الكفار فيما يدعونك إليه من ملتهم {بعد ما جاءك من العلم} ، أي: بأنك على الحق وأن قبلتك هي الكعبة {ما لك من الله من ولي} ، أي: ناصر {ولا واق} ، أي: مانع من عذابه. وقال ابن عباس: الخطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. ونزل لما عير الكفار النبيّ صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء.
{ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً} ، أي: نساء ينكحونهنّ فكان لسليمان امرأة وسرية وكان لداود عليه السلام إمرأة {وذرية} ، أي: أولاداً فأنت مثلهم، وكانوا يقولون أيضاً: لو كان رسولاً من عند الله لكان، أي: شيء طلبناه منه من المعجزات أتى به فردّ الله تعالى عليهم بقوله تعالى: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بأذن الله} ، أي: بإرادته؛ لأنّ المعجزة الواحدة كافية في إزالة العذر، والعلة وفي إظهار الحجة والبينة، وأمّا الزائد عليها فهو مفوض إلى مشيئة الله تعالى إن شاء أظهرها وإن لم يشأ لم يظهرها لا اعتراض لأحد عليه في ذلك. ولما توعدهم صلى الله عليه وسلم نزول العذاب، وظهور النصرة له ولقومه وتأخر ذلك عنهم قالوا: لو كان نبياً صادقاً لما ظهر كذبه، فردّ الله تعالى عليهم بقوله تعالى {لكل أجل} ، أي: مدّة {كتاب} ، أي: مكتوب قد أثبت فيه أن أمر كذا يكون في وقت كذا من الثواب والعقاب والأحكام، والإتيان بالآيات وغيرها إثباتاً ونسخاً على ما تقتضيه الحكمة. ولما اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنّ محمداً يأمر أصحابه بأمر اليوم، ثم يأمر بخلافه غداً، وما سبب ذلك إلا أنه يقوله من تلقاء نفسه، فردّ الله تعالى عليهم بقوله تعالى:
{يمحو الله ما يشاء} ، أي: محوه من الشرائع والأحكام وغيرها بالنسخ فيرفعه {ويثبت} ما يشاء إثباته من ذلك بأن يقرّه ويمضي حكمه كقوله تعالى: {ما ننسخ من آية} (البقرة، 106) إلى قوله تعالى: {ألم تعلم أنّ الله على كل شيء قدير} (البقرة، 106) . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بسكون الثاء المثلثة وتخفيف الباء الموحدة، والباقون بفتح الثاء وتشديد الباء الموحدة.
تنبيه: في هذه الآية قولان:
أحدهما أنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وهذا مذهب عمر وابن مسعود وغيرهما قالوا: إنّ الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة، فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليّ الشقاوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب، ومثله عن ابن مسعود وهذا التأويل رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض