ذلك تحقيق الماهية أو دفع توهم إرادة الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه وبالاختياري المدح، فإنه يعمّ الاختياري وغيره، تقول: مدحت اللؤلؤة على حسنها دون حمدتها، وظاهر قول الزمخشريّ: الحمد والمدح أخوان أنهما مترادفان وبه صرّح في «الفائق» لكن الأوفق ما عليه الأكثر أنهما غير مترادفين بل متشابهان معنى أو اشتقاقاً كبيراً، والاشتقاق ثلاثة أقسام: كبير، وأكبر، وأصغر، وقد يعبر عنه بالصغير، فالكبير أن يشترك اللفظان في الحروف الأصول من غير ترتيب كالحمد والمدح، والأكبر أن يشتركا في أكثر الحروف الأصول كالفلق، والفلج، والفلذ، مع اتحاد في المعنى أو تناسب، والأصغر أن يشتركا في الحروف الأصول المترتبة كضرب والضرب وبعلى قصد التبجيل ما كان على قصد الاستهزاء والسخرية نحو قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} (الدخان، 49) وتناول الظاهر والباطن إذ لو تجرّد الثناء على الجميل عن مطابقة الإعتقاد أو خالفه أفعال الجوارح، لم يكن حمداً بل تهكم أو تمليح، وهذا لا يقتضي دخول الجنان والأركان في التعريف لأنّ المطابقة وعدم المخالفة اعتبرا فيه شرطاً لا شطراً وعرفاً فعل ينبىء عن تعظيم المنعم من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره سواء كان ذكراً باللسان أم اعتقاداً ومحبة بالجنان أم عملاً وخدمة بالأركان كما قيل:

*أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا*

فمورد اللغويّ: هو اللسان وحده ومتعلقه يعمّ النعمة وغيرها، ومورد العرفي يعمّ اللسان وغيره ومتعلقه يكون النعمة وحدها، فاللغويّ أعمّ باعتبار المتعلق وأخص باعتبار المورد، والعرفي بالعكس، والشكر لغة: هو الحمد عرفاً وعرفاً صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله، والمدح لغة الثناء باللسان على الجميل مطلقاً على جهة التعظيم، وعرفاً ما يدلّ على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل، فالشكر أعمّ من الحمد والمدح من وجه لأنه لا يختص باللسان وأخص منهما من وجه آخر لأنه يختص بالثناء على الإنعام، وضدّ الحمد الذم، وضدّ الشكر الكفران، وضدّ المدح الهجو.

وجملة الحمد لله خبرية لفظاً؛ إنشائية معنى، لحصول الحمد بالتكلم بها مع الإذعان لمدلولها، ويجوز أن تكون موضوعة شرعاً للإنشاء وقيل: خبرية لفظاً ومعنى، قال بعضهم: وهو التحقيق إذ ليس معنى كونها إنشائية لا أنها جملة إنشاء الحامد الثناء بها وذلك لا ينافي كونها خبرية معنى. ولام لله للملك أو الاستحقاق أو الاختصاص، وقيل: للتعليل والأولى أنها للاختصاص بالمعنى الأعمّ الصادق بالملك وبالاستحقاق، لا بالمعنى الأخص المقابل لهما وعلى كل فهي متعلقة بمحذوف هو الخبر حقيقة، فالحمد مختص بالله كما أفادته الجملة الاسمية سواء أجعلت لام التعريف فيه للإستغراق كما عليه الجمهور وهو ظاهر، أم للجنس كما عليه الزمخشري، لأنّ لام لله للإختصاص كما مرّ فلا فرد منه لغيره أم للعهد كالتي في قوله تعالى: {إذ هما في الغار} (التوبة، 40) كما نقله ابن عبد السلام وأجازه الواحديّ على معنى أن الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به أنبياؤه وأولياؤه مختص به والعبرة بحمد من ذكر فلا فرد منه لغيره، وأولى الثلاثة الجنس، زاد بعضهم أو للكمال كما أفاده سيبويه في الداخلة على الصفات كالرحمن الرحيم، قال البيضاويّ: إذ الحمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015