ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل وأطال في ردّ ذلك، وكذا فعل الرازي.

وقيل: وهمّ بها، أي: بزجرها ووعظها. وقيل: همّ بها، أي: غمه امتناعه منها. وقيل: همّ بها، أي: نظر إليها وقيل: همّ بضربها ودفعها. وقيل: هذا كله قبل نبوّته، وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف عليه السلام ميل شهوة حتى نبأه الله تعالى فألقى عليه هيبة النبوّة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسنه {كذلك} ، أي: مثل ذلك التثبيت نثبته في كل أمر {لنصرف عنه السوء} ، أي: الهمّ بالزنا وغيره {والفحشاء} أي: الزنا وغيره، وقيل: السوء مقدمات الفاحشة من القبلة والنظر بالشهوة، والفحشاء هي الزنا، فكأنه قيل: لم فعل به هذا؟ فقيل: {إنه من عبادنا} ، أي: الذين عظمناهم {المخلصين} ، أي: في عبادتنا الذين هم خير صرف لا يخالطهم غش، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام بعد الخاء، والباقون بالفتح.

قال الرازي: فوروده باسم الفاعل دل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص، ووروده باسم المفعول يدلّ على أنّ الله تعالى استخلصه واصطفاه لحضرته، وعلى كلا اللفظين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهاً عما أضافوه إليه وهذا مع قول إبليس: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} (الحجر: 39، 40) شهادة من إبليس أنّ يوسف عليه السلام بريء من الهمّ فمن نسبه إلى الهمّ إن كانوا من أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته، قال: ولعلهم يقولون كنا في أوّل الأمر تلامذة إبليس إلا أنا زدنا وفجرنا عليه في السفاهة كما قال الجزوري:

*وكنت فتى من جند إبليس فارتقى ... بي الأمر حتى صار إبليس من جندي

*فلو مات قبلي كنت أحسن بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها بعدي

ثم ذكر سبحانه وتعالى مبالغة في الامتناع بالجدّ في الهرب دليلاً على إخلاصه وأنه لم يهمّ أصلاً فقال:

{واستبقا الباب} ، أي: أوجد المسابقة بغاية الرغبة من كل منهما هذا للهرب منها، وهذه لمنعه، فكل منهما بذل أقصى جهده في السبق، فلحقته عند الباب الأقصى مع أنه قد كان سبقها بقوّة الرجولية وقوّة الداعية إلى الفرار إلى الله تعالى، ولكن عاقه إتقانها للمكر بكون الأبواب كانت مغلقة فكان يشتغل بفتحها فتعلقت بأدنى ما وصلت إليه من قميصه وهو ما كان من ورائه خوف فواته فاشتد تعلقها به مع إعراضه هو عنها وهربه منها ففتحه فأراد الخروج فمنعته {و} لم تزل تنازعه حتى {قدّت} ، أي: شقت {قميصه} وكان القدّ {من دبر} ، أي: الناحية من الخلف منه، وانقطعت منه قطعة فبقيت في يدها {وألفيا} ، أي: وجدا {سيدها} ، أي: زوجها قطفير وهو العزيز تقول المرأة لبعلها: سيدي ولم يقل: سيدهما؛ لأنّ ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيداً له على الحقيقة {لدى} ، أي: عند {الباب} جالساً مع ابن عمّ المرأة. فإن قيل: كيف وحد الباب وقد جمعه في قوله: {وغلقت الأبواب} ؟ أجيب:. بأنه أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار والمخلص من العار، فقد روى كعب الأحبار: أنّ يوسف لما هرب جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الأبواب فلما رأت المرأة ابن عمها هابته وخافت التهمة فسابقت يوسف بالقول و {قالت} لزوجها {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} ، أي: فاحشة زنا أو غيره، ثم خافت عليه أن يقتل وذلك لشدّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015