وقال وهب بن منبه: قدمت السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهباً وزنه فضة ووزنه مسكاً وحريراً، وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره حينئذ سبع عشرة سنة، وقيل: ثلاث عشرة سنة، فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن فذلك قوله تعالى:
{وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته} واسمها زليخا وقيل: راعيل {أكرمي مثواه} قال الرازي: اعلم أن شيئاً من هذه الروايات لم يدل عليه القرآن ولم يثبت أيضاً في خبر صحيح وتفسير كتاب الله تعالى لا يتوقف على شيء من هذه الروايات فاللائق بالعاقل أن يحترز من ذكرها انتهى. ولكن البغوي ذكرها وتبعه على ذلك جماعة من المفسرين واللام في امرأته متعلقة بقال لا باشتراه، والمثوى موضع الإقامة، أي: اجعلي منزله ومقامه عندنا كريماً، أي: حسناً مرضياً بدليل قول يوسف: {إنه ربي أحسن مثواي} والمراد تفقديه بالإحسان وتعهديه بحسن الملكية حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا ساكنة في كنفنا.
قال المحققون: أمر العزيز امرأته بإكرام مثواه دون إكرام نفسه يدل على أنه كان ينظر إليه على سبيل الإجلال والتعظيم وهو كما يقال: سلام الله على المجلس العالي. ولما أمر بإكرام مثواه علّل ذلك بأن قال: {عسى أن ينفعنا} ، أي: يقوم بإصلاح مهماتنا، أو نبيعه بالربح إن أردنا بيعه {أو نتخذه ولدا} ، أي: نتبناه وكان حصوراً ليس له ولد.
قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة العزيز في يوسف حيث قال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا} ، وابنة شعيب حين قالت لأبيها في موسى: {استأجره} ، وأبو بكر في عمر حيث استخلفه. {وكذلك} ، أي: وكما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز {مكنا ليوسف في الأرض} ، أي: أرض مصر. قال البقاعي: التي هي كالأرض كلها لكثرة منافعها بالملك فيها لتمكنه من الحكم بالعدل والنبوّة، وقوله تعالى: {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} ، أي: تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق بمكنا، أي: لنمكنه أو الواو زائدة {والله غالب على أمره} ، أي: الأمر الذي يريده؛ لأنه تعالى فعال لما يريد، ولا دافع لقضائه ولا مانع عن حكمه في أرضه وسمائه أو على أمر يوسف أراد إخوته قتله، فغلب أمره عليهم، وأرادوا أن يلتقطه بعض السيارة ليندرس اسمه، فغلب أمره وظهر اسمه واشتهر، ثم باعوه ليكون مملوكاً فغلب الله أمره حتى صار ملكاً وسجدوا بين يديه، ثم أرادوا أن يضرّوا أباهم ويطيبوا قلبه حتى يخلو لهم وجهه فغلب أمره تعالى فأظهره على مكرهم، واحتالت عليه امرأة العزيز لتخدعه عن نفسه فغلب أمره تعالى فعصمه حتى لم يهمّ بسوء بل هرب منه غاية الهرب، ثم بذلت جهدها في إذلاله وإلقاء التهمة عليه فأبى الله تعالى إلا إعزازه وبراءته، ثم أراد يوسف عليه السلام ذكر الساقي له فغلب أمره تعالى فأنساه ذكره حتى مضى الأجل الذي ضربه الله تعالى له وكم من أمر كان في هذه القصة وفي غيرها يرشد إلى أنه لا أمر لغيره {ولكنّ أكثر الناس} وهم الكفار {لا يعلمون} أنّ الأمر كله
بيد الله تعالى، أو أنّ أكثر الناس لا يعلمون ما هو صانع بيوسف وما يريد منه فمن تأمّل في الدنيا وعجائب أحوالها عرف وتيقن أنّ الأمر كله لله، وأنّ قضاء الله تعالى غالب. ولما بين تعالى أنّ إخوته أساؤوا إليه وصبر على تلك الشدائد والمحن ومكنه