الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه» . وعن أبي رزين العقيلي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة، وهي على رجل طائر ما لم يحدّث بها فإذا حدّث بها سقطت» قال: وأحسبه قال: «ولا يحدّث بها إلا لبيباً أو حبيباً» وإنما أضيفت الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف الرؤيا المكروهة وإن كانتا جميعاً من خلق الله تعالى وتدبيره وإرادته ولا فعل للشيطان فيهما، ولكنه يحضر المكروهة ويرتضيها، فيستحب إذا رأى الشخص في منامه ما يحب أن يحدّث به من يحب، وإذا رأى ما يكره فلا يحدّث به وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من شرها، وليتفل ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الآخر فإنها لا تضرّه، فإنّ الله تعالى جعل هذه الأسباب سبباً لسلامته من المكروه كما جعل الصدقة سبباً لوقاية المال. قال الحكماء: إنّ الرؤيا الرديئة يظهر تعبيرها عن قريب والرؤيا الجيدة إنما يظهر تعبيرها بعد حين، قالوا: والسبب فيه أن رحمة الله تعالى تقتضي أن لا يحصل الإعلام بوصول الشر إلا عند قرب وصوله حتى يكون الحزن والغم أقل، وأمّا الإعلام بالخير فإنه يحصل متقدّماً على ظهوره بزمن طويل حتى تكون البهجة الحاصلة بسبب توقع حضور ذلك الخير أكثر وأتم، ولهذا لم تظهر رؤيا يوسف عليه السلام إلا بعد أربعين سنة، وهو قول أكثر المفسرين، وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة حتى اجتمع على أبويه وإخوته وخروا له ساجدين.

{وكذلك} ، أي: وكما اجتباك ربك للاطلاع على هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكمال نفس {يجتبيك} ، أي: يختارك ويصطفيك {ربك} بالدرجات العالية واجتباء الله تخصيصه بفيض إلهي يحصل منه أنواع الكرامات بلا سعي من العبد، وذلك مخصوص بالأنبياء وبعض من يقاربهم من الصدّيقين والشهداء والصالحين وقوله: {ويعلمك} كلام مستأنف خارج عن التشبيه والتقدير وهو يعلمك {من} ، أي: بعض {تأويل الأحاديث} من تأويل الرؤيا وغيرها من كتب الله تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدّمين، وكان يوسف عليه السلام في تعبير الرؤيا وغيرها غاية، والتأويل ما تؤل إليه عاقبة الأمر {ويتم نعمته عليك} بالنبوّة.

قال ابن عباس: لأنّ منصب النبوّة، أي: ومع الرسالة أعلى من جميع المناصب، وكل الخلق دون درجة الأنبياء، فهذا من تمام النعمة عليهم؛ لأنّ جميع مناصب الخلق دون منصب الرسالة والنبوّة فالكمال المطلق والتمام المطلق في حق البشر ليس إلا النبوّة والرسالة، وقيل: يجتبيك بالنبوّة ويتم نعمته عليك بسعادات الدنيا وسعادات الآخرة، أمّا سعادات الدنيا فالإكثار من الأولاد والخدم والأتباع والتوسع في المال والجاه والإجلال في قلوب الخلق وحسن الثناء والحمد، وأمّا سعادات الآخرة فالعلوم الكثيرة والأخلاق الفاضلة والاستغراق في معرفة الله تعالى {وعلى آل يعقوب} ، أي: أولاده وهذا يقتضي حصول تمام النعمة لآل يعقوب، وتمام النعمة هو النبوّة والرسالة كما مرّ فلزم حصولها لآل يعقوب وأيضاً أن يوسف عليه السلام قال: إني رأيت أحد عشر كوكباً وكان تأويله أحد عشر نفساً لهم فضل وكمال ويستضىء بعلمهم ودينهم أهل الأرض؛ لأنه لا شيء أضوأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015