لكبراء المشركين اسألوا محمداً لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن كيفية قصة يوسف، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وذكر فيها أنه تعالى عبّر عن هذه القصة بألفاظ عربية ليتمكنوا من فهمها، والتقدير أنا أنزلنا هذا الكتاب الذي فيه قصة يوسف حال كونه قرآناً عربياً، وسمي بعض القرآن قرآناً؛ لأن القرآن اسم جنس يقع على الكل والبعض {لعلكم} يا أهل مكة {تعقلون} ، أي: إرادة أن تفهموا أو تحيطوا بمعانيه، ولا يلتبس عليكم {ولو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته} (يوسف، 44) . واختلف العلماء هل في القرآن شيء بغير العربية؟ فقال أبو عبيدة: من زعم أنّ في القرآن لساناً غير العربية فقد أعظم على الله القول واحتج بهذه الآية {إنا أنزلناه قرآناً عربياً} وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة أنّ فيه من غير لسان العرب من سجيل ومشكاة وأليم وإستبرق، وجمع بعض المفسرين بين القولين بأنّ هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم وصارت لهم لغة وهو جمع حسن.
{نحن نقص عليك أحسن القصص} ، أي: أحسن الاقتصاص؛ لأنه اقتص على أبدع الأساليب، والقصص اتباع الخبر بعضه بعضاً، وأصله في اللغة من قص الأثر إذا اتبعه، وإنما سميت الحكاية قصة؛ لأنّ الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئاً فشيئاً، والمعنى: أنا نبين لك يا محمد أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان، أو قصة يوسف عليه السلام خاصة، وسماها أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا وما فيها من سير الملوك والمماليك والغلمان ومكر النساء والصبر على إيذاء الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد اللقاء وغير ذلك. قال خالد بن معدان في سورة يوسف ومريم: يتفكه فيهما أهل الجنة في الجنة. وقال ابن عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها {بما} ، أي: بسبب ما {أوحينا} ، أي: بإيحائنا {إليك} يا محمد {هذا القرآن} الذي قالوا فيه أنه مفترى، فنحن نتابع القصص القصة بعد القصة حتى لا يشك شاك ولا يمتري ممتر أنه من عند الله {وإن كنت من قبله} ، أي: إيحائنا إليك أو هذا القرآن {لمن الغافلين} ، أي: عن قصة يوسف وإخوته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما علم ذلك بالوحي، وقيل لمن الغافلين عن الدين والشريعة، وإن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية وقوله تعالى:
{إذ قال يوسف لأبيه} بدل من {أحسن القصص} أو منصوب بإضمار اذكر، ويوسف اسم عبري، وقيل: عربي، وردّ بأنه لو كان عربياً لصرف، وسئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال: الأسف في اللغة الحزن، والأسيف العبد، واجتمعا في يوسف فسمي به، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» وقوله {يا أبت} أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة، ولذلك قلبها ابن كثير وابن عامر هاء في الوقف، ووقف الباقون بالتاء كالرسم، وفي الوصل بالتاء للجميع، وفتح التاء في الوصل ابن عامر، وكسرها الباقون {إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمسم والقمر} قال أهل التفسير: رأى يوسف عليه الصلاة والسلام في منامه، وكان ابن اثنتي عشرة، سنة، وقيل: سبع عشرة، وقيل: سبع سنين