الآية وهو قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة} (هود، 118) فيجب حمل الاختلاف على ما يخرجهم من أن يكونوا أمّة واحدة وما بعد هذه الآية وهو قوله تعالى: {إلا من رحم ربك} ، أي: أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه، فيجب حمل الاختلاف على معنى يصح أن يستثنى منه ذلك، وفي هذه الآية دلالة على أنّ الهداية والإيمان لا تحصل إلا بتخليق الله تعالى؛ لأنّ تلك الرحمة ليست عبارة عن إعطاء القدرة والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة العذر، فإنّ كل ذلك حاصل في حق الكفار فلم يبق إلا أن يقال: تلك الرحمة هو أنه سبحانه وتعالى خلق فيهم تلك الهداية والمعرفة {ولذلك خلقهم} ، أي: خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وخلق أهل الرحمة للرحمة. روي عن ابن عباس أنه قال: خلق الله أهل الرحمة لئلا يختلفوا، وخلق أهل العذاب لأن يختلفوا، وخلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً، والحاصل: أنّ الله تعالى خلق أهل الباطل وجعلهم مختلفين، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين، فحكم على بعضهم بالاختلاف وهم أهل الباطل ومصيرهم إلى النار، وحكم على بعضهم بالاتفاق وهم أهل الحق ومصيرهم إلى الجنة، ويدل لذلك قوله تعالى: {وتمت كلمة ربك} وهي {لأملأنّ جهنم من الجنة} ، أي: الجنّ {والناس أجمعين} وهذا صريح بأنّ الله تعالى خلق أقواماً للجنة والرحمة فهداهم ووفقهم لأعمال أهل الجنة، وخلق أقواماً للضلالة والنار فخذلهم ومنعهم من الهداية، ولما ذكر تعالى القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر نوعين من الفائدة أوّلهما تثبيت الفؤاد بقوله تعالى:

{

وكلاً} ، أي: وكل نبأ {نقص عليك} وقوله تعالى: {من أنباء الرسل} ، أي: نخبرك به بيان لكل. وقوله تعالى: {ما نثبت به فؤادك} بدل من كلاً، ومعنى تثبيت فؤاده: زيادة يقينه وطمأنينة قلبه وثبات نفسه على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى، وذلك لأنّ الإنسان إذا ابتلي بمحنة وبلية فإذا رأى له فيه مشاركاً خف ذلك على قلبه كما يقال: المصيبة إذا عمت خفت، وإذا سمع الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصص وعلم أنّ حال جميع الأنبياء مع أتباعهم هكذا سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه. الفائدة الثانية: قوله تعالى: {وجاءك في هذه الحق} ، أي: في السورة وعليه الأكثر، أو في هذه الأنباء المقتصة فيها. وقال الحسن: في هذه الدنيا. قال الرازي: وهذا بعيد غير لائق بهذا الموضع؛ لأنه لم يجر للدنيا ذكر حتى يعود الضمير لها. فإن قيل: قد جاءه الحق في غير هذه السورة بل القرآن كله حق وصدق؟ أجيب: بأنه إنما خصها بالذكر تشريفاً لها {وموعظة وذكرى للمؤمنين} وخصهم بالذكر لانتفاعهم بذلك بخلاف الكفار، فذكر تعالى أموراً ثلاثة: الحق والموعظة والذكرى، أمّا الحق فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد، وأمّا الموعظة فهي إشارة إلى السفر عن الدنيا وتقبيح أحوالها، وأمّا الذكرى فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال النافذة الصالحة في الدار الآخرة، ولما بلغ تعالى الغاية والإنذار والإعذار والترغيب والترهيب أتبع ذلك بأن قال لرسوله صلى الله عليه وسلم

{وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم} ، أي: حالتكم، وفيه وعيد وتهديد، وإن كانت صيغته صيغة الأمر فهو كقوله تعالى لإبليس: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015