لا عز لك، وقيل: أعمى بلغة حمير، قاله قتادة، وفي هذا تجويز العمي على الأنبياء إلا أنّ هذا اللفظ لا يحسن الاستدلال به في إثبات هذا المعنى؛ لأنه ترك الظاهر من غير دليل، وقيل: ضعيف البصر، قاله الحسن. النوع الثالث: قولهم له: {ولولا رهطك} ، أي: عشيرتك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم {لرجمناك} بالحجارة حتى تموت، والرهط من الثلاثة إلى عشرة، وقيل: إلى السبعة، والمقصود من هذا الكلام أنهم بينوا له أنه لا حرمة له عندهم ولا وقع له في صدورهم وأنهم إنما لم يقتلوه لأجل احترام رهطه. النوع الرابع: قولهم له: {وما أنت علينا بعزيز} ، أي: لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم، وإنما يعز علينا رهطك؛ لأنهم من أهل ديننا ولم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا، ولما خوّف الكفار شعيباً عليه السلام بالقتل والإيذاء حكى الله تعالى عنهم ما ذكروه في هذا المقام وهو نوعان: الأوّل:
{قال} لهم {يا قوم} مستعطفاً لهم مع غلظتهم عليه {أرهطي أعز عليكم من الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلماً حتى نظرتم إليهم فيّ لقرابتي منهم، ولم تنظروا إلى الله تعالى في قربي منه لما ظهر عليّ من كرامته تعالى {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} ، أي: جعلتموه كالمنسيّ المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به، والإهانة لرسوله. قال في «الكشاف» : والظهريّ منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب، ونظيره قولهم في النسبة إلى الأمس أمسيّ بكسر الهمزة، وقوله: {إنّ ربي بما تعملون محيط} ، أي: إنه عليم بأحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها. النوع الثاني: قوله:
{ويا قوم اعملوا على مكانتكم} والمكانة الحالة التي يمكن صاحبها من عمله، والمعنى: اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية المكنة والقدرة وكل ما في وسعكم وطاقتكم من إيصال الشرور إليّ، {إني} أيضاً {عامل} بما آتاني الله من القدرة والطاعة {سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب} فمن موصولة مفعول العلم. فإن قيل: لم لم يقل فسوف تعلمون؟ أجيب: بأنّ إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل وأمّا حذف الفاء فيجعله جواباً عن سؤال مقدّر وهو المسمى في علم البيان بالاستئناف البياني، تقديره أنه لما قال: {ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل} فكأنهم قالوا: فماذا يكون بعد ذلك فقال: سوف تعلمون، فظهر أن حذف حرف الفاء ههنا أكمل في بيان الفصاحة والتهويل؛ لأنه استئناف. {وارتقبوا} ، أي: انتظروا عاقبة أمركم {إني معكم رقيب} ، أي: منتظر، والرقيب بمعنى الراقب من رقبه كالضريب والصريم، بمعنى الضارب والصارم أو بمعنى المراقب كالعشير والنديم، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمرتفع.
{ولما جاء أمرنا} بعذابهم وإهلاكهم {نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة} ، أي: بفضل {منا} بأن هديناهم للإيمان ووفقناهم للطاعة. فإن قيل: لم جاءت قصة عاد وقصة مدين بالواو وقصة صالح ولوط بالفاء؟ أجيب: بأنّ قصة عاد ومدين لم يسبقهما ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنهما ذكرا بعد الوعد وذلك قوله تعالى: {وعد غير مكذوب} وقوله: {إنّ موعدهم الصبح} فلذلك جاءا بفاء السببية. {أخذت الذين ظلموا} ، أي: ظلموا أنفسهم بالشرك والبخس. {الصيحة} ، أي: صيحة جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة خرجت أرواحهم وماتوا جميعاً، وقيل: أتتهم صيحة من السماء {فأصبحوا