عنهم، وإنما كرر ألا وأعاد ذكرهم تفظيعاً لأمرهم وحثاً على الاعتبار بحالهم. وقوله تعالى: {قوم هود} عطف بيان لعاد وفائدته تمييزهم من عاد الثانية عاد إرم والإيماء إلى استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.

القصة الثالثة: التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة صالح عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:

{وإلى ثمود} وهم سكان الحجر، أي: وأرسلنا إلى ثمود {أخاهم} فهو معطوف على قوله تعالى نوحاً كما عطف عليه وإلى عاد وقوله تعالى: {صالحاً} عطف بيان، وتلك الأخوة كانت في النسب لا في الدين، كما مرّ في هود، ثم أخرج قوله عليه السلام على تقدير سؤال بقوله: {قال يا قوم} ، أي: يا من يعز عليّ أن يحصل لهم سوء {اعبدوا الله} ، أي: وحدوه وخصوه بالعبادة {ما لكم من إله غيره} هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام، ثم ذكر الدلائل الدالة على وحدانيته تعالى بقوله: {هو أنشاكم} ، أي: ابتدأ خلقكم {من الأرض} وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض، أو أنّ الإنسان مخلوق من المني وهو متولد من الدم والدم متولد من الأغذية وهي إمّا حيوانية وإمّا نباتية، فأمّا الحيوانية فحالها كحال الإنسان فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات متولد من الأرض، فثبت أنه تعالى أنشأ الإنسان من الأرض. وقيل: من بمعنى في كما في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} (الجمعة، 9) . {واستعمركم فيها} ، أي: جعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى أنّ الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم عاد، وروي أنّ ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وحصلت لهم الأعمار الطويلة، فسأل نبيّ من أنبياء زمانهم ربه ما سبب تلك الأعمار فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، وأخذ معاوية في إحياء الأرض في آخرة عمره فقيل له ذلك فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:

*ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار

وقال مجاهد: استعمركم من العمرى، أي: جعلها لكم ما عشتم فإذا متم انتقلت إلى غيركم.

ولما بيّن لهم عليه السلام عظمة الله تعالى بين لهم طريق الرجوع إليه بقوله: {فاستغفروه} ، أي: آمنوا به {ثم توبوا إليه} من عبادة غيره؛ لأنّ التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان وقد مرّ مثل ذلك {إنّ ربي قريب} من خلقه بعلمه لكل من أقبل عليه من غير حاجة إلى حركة {مجيب} لكل من ناداه لا كمعبوداتكم في الأمرين. ولما قرّر لهم عليه السلام هذه الدلائل.

{قالوا} له {يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا} ، أي: القول الذي جئت به لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد، فإنك كنت تعطف على فقيرنا وتعين ضعيفنا وتعود مرضانا، فقوي رجاؤنا فيك أن تنصر ديننا فكيف أظهرت العداوة؟. ثم إنهم أضافوا إلى هذا التعجب الشديد فقالوا: {أتنهانا أن نعبد ما} كان {يعبد آباؤنا} من الآلهة، ومقصودهم بذلك التمسك بطرف التقليد ووجوب متابعة الآباء والأسلاف، ونظير هذا التعجب ما حكاه الله تعالى عن كفار مكة حيث قالوا: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب} (ص، 5) ثم قالوا: {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه} من التوحيد وترك عبادة الأصنام {مريب} ، أي: موقع في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة باليقين، والرجاء: تعلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015