ظلمهم وطردهم أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم {ولكني أراكم قوماً تجهلون} أي: إنّ هؤلاء المؤمنين خير منكم أو عاقبة أمركم أو تسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل.
{ويا قوم من ينصرني} أي: يمنعني {من الله} أي: من عقابه {إن طردتهم} عني وهم مؤمنون مخلصون {أفلا} أي: فهلا {تذكرون} أي: تتعظون. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد بإدغام التاء في الأصل في الذال.
{ولا أقول لكم عندي خزائن الله} أي: خزائن رزقه، فكما أني لا اسألكم مالاً فكذلك لا أدعي أني أملك مالاً ولا غرض لي في المال لا أخذاً ولا دفعاً، وقوله: {ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك} فأتعاظم به عليكم حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا بل طريقتي التواضع والخضوع، ومن كان هذا شأنه وطريقته كذلك فإنه لا يستنكف عن مخالطة الفقراء والمساكين ولا يطلب مجالسة الأمراء والسلاطين، ثم أكد ذلك بقوله: {ولا أقول للذين تزدري} أي: تحتقر {أعينكم} أي: لا أقول في حقهم {لن يؤتيهم الله خيراً} فإن ما أعدّ الله تعالى لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا {الله أعلم بما في أنفسهم} وهذا كالدلالة على أنهم كانوا ينسبون أتباعه مع الفقر والذلة إلى النفاق {إني إذاً} أي: إن فعلت ذلك {لمن الظالمين} لنفسي ومن الظالمين لهم. فإن قيل: هذه الآية تدل على تفضيل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الإنسان إذا قال: لا أدعي كذا وكذا إنما يحسن إذا كان ذلك الشيء أشرف من أحوال ذلك القائل؟ أجيب: بأن نوحاً عليه السلام إنما ذكر ذلك جواباً عما ذكروه من الشبه، فإنهم طعنوا في أتباعه بالفقر فقال: ولا أقول لكم عندي خزائن الله حتى أجعلهم أغنياء وطعنوا فيهم أيضاً بأنهم منافقون فقال: ولا أعلم الغيب حتى أعرف كيفية باطنهم وإنما تكليفي بناء الأحوال على الظاهر، وطعنوا فيه أنه من البشر فقال: ولا أقول إني ملك حتى تنفوا عني ذلك وحينئذٍ فالآية ليس فيها ذلك. فإن قيل: في هذه الآية دلالة على أنّ طرد المؤمنين لطلب مرضاة الكفار من أصول المعاصي فكيف طرد محمد صلى الله عليه وسلم بعض فقراء المؤمنين لطلب مرضاة الله حتى عاتبه الله تعالى في قوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيَّ؟ أجيب: بأنّ الطرد المذكور في هذه الآية محمول على الطرد المطلق على سبيل التأبيد، والطرد المذكور في واقعة محمد صلى الله عليه وسلم محمول على التبعيد في أوقات
معينة رعاية للمصلحة. ولما أنّ الكفار أوردوا تلك الشبهة وأجاب نوح عليه السلام عنها بالجوابات الموافقة الصحيحة أوردوا عليه كلامين: الأوّل ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله تعالى:
{قالوا يا نوح قد جادلتنا} أي: خاصمتنا {فأكثرت جدالنا} أي: فأطنبت فيه، وهذا يدل على أنه عليه السلام كان قد أكثر في الجدال معهم، وذلك الجدال ما كان إلا في إثبات التوحيد والنبوّة والمعاد، وهذا يدل على أنّ الجدال في تقرير الدلائل، وإزالة الشبهات حرفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى أنّ التقليد والجهل حرفة الكفار، والثاني: ما ذكره الله تعالى عنهم بقوله: {فأتنا بما تعدنا} أي: من العذاب {إن كنت من الصادقين} في الدعوى والوعيد فإنّ مناظرتك لا تؤثر فينا.
{قال} لهم نوح عليه السلام في جواب ذلك {إنما يأتيكم به الله