الله على الظالمين} فبيّن تعالى أنهم في الحال ملعونون من عند الله، وهذه هي الصفة الرابعة، ثم وصفهم بالصفة الخامسة بقوله تعالى:
{الذين يصدّون عن سبيل الله} أي: دينه، ثم وصفهم بالصفة السادسة بقوله تعالى: {ويبغونها} أي: يطلبون السبيل {عوجاً} أي: معوجة، أي: كأنهم ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات وتعويج الدلائل المستقيمة؛ لأنه لا يقال في العامّي: إنه يبغي عوجاً، وإنما يقال ذلك فيمن يعرف كيف الاستقامة، وكيفية العوج بسبب إلقاء الشبهات وتقرير الضلالات، ثم وصفهم بالصفة السابعة بقوله تعالى: {وهم} أي: والحال أنهم {بالآخرة هم كافرون} وتكرير لفظ هم لتأكيد كفرهم وتوغلهم فيه. الصفة الثامنة: كونهم عاجزين عن الفرار من عذاب الله كما قال تعالى:
{أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض} أي: ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم إذ لا يمكنهم أن يهربوا من عذابه، فإنّ هرب العبد من عذاب الله تعالى محال؛ لأنه تعالى قادر على جميع الممكنات ولا تتفاوت قدرته بالقرب والبعد، والقوة والضعف. الصفة التاسعة: أنهم ليس لهم أولياء يدفعون عقاب الله تعالى عنهم كما قال تعالى: {ما كان لهم من دون الله} أي: غيره {من أولياء} أي: أنصار يمنعوهم من عذابه. الصفة العاشرة: مضاعفة العذاب كما قال تعالى: {يضاعف لهم العذاب} أي: بسبب إضلالهم غيرهم، وقيل: لأنّهم كفروا بالله وكفروا بالبعث والنشور. الصفة الحادية عشرة: قوله تعالى: {وما كانوا يستطيعون السمع} قال قتادة: صم عن سماع الحق فلا يسمعون خيرا فينتفعون به {وما كانوا يبصرون} خيراً فيأخذوا به. قال ابن عباس: أخبر الله تعالى أنه أحال بين أهل الشرك وبين طاعة الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة، أمّا في الدنيا فإنه قال: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} وأمّا في الآخرة فإنه قال: {فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم} (القلم، 42، 42) . الصفة الثانية عشرة: قوله تعالى:
{أولئك الذين خسروا أنفسهم} فإنهم اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى فكان مصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم وذلك أعظم وجوه الخسرانات. الصفة الثالثة عشرة: قوله تعالى {وضلّ} أي: غاب {عنهم ما كانوا يفترون} على الله تعالى من دعوى الشريك وأنّ لآلهة تشفع لهم. الصفة الرابعة عشرة: قوله تعالى:
{لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} أي: لا أحد أبين وأكثر خسراناً منهم.
تنبيه: قال الفرّاء: إنّ لا جرم بمنزلة قولنا لا بدّ ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقاً. تقول العرب: لا جرم إنك محسن على معنى حقاً إنك محسن. وقال الزجاج: إنّ كلمة لا نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، وجرم معناه: كسب ذلك الفعل والمعنى: لا ينفعهم ذلك وكسب ذلك الفعل لهم الخسران في الدنيا والآخرة. قال الأزهري: وهذا من أحسن ما قيل في هذا الباب. وقال سيبويه: لا ردّ على أهل الكفر كما مرّ. وجرم معناه: أحق والمعنى: أنه أحق كفرهم وقوع العذاب والخسران بهم واحتج سيبويه بقول الشاعر:
*ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أراد أحقت الطعنة فزارة أن يغضبوا، ولما ذكر تعالى عقوبة الكفار وخسرانهم أتبعه بذكر أحوال المؤمنين في الدنيا وربحهم في الآخرة بقوله تعالى:
{إنّ الذين آمنوا وعملوا