تحقق عندكم إعجازه مطلقاً. وقيل: الخطاب للمشركين والضمير في لم يستجيبوا لمن استطعتم، أي: فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه، وأنّ طاقتهم أقصر من أن تبلغه فاعلموا أنه منزل من عند الله، وأنّ ما دعاكم إليه من التوحيد حق، فهل أنتم بعد هذه الحجة القاطعة مسلمون، أي: أسلموا وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر..

واختلف في سبب نزول قوله تعالى:

{من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها} أي: بعمله الذي يعمل من أعمال البرّ {نوف إليهم أعمالهم} أي: التي عملوها من خير كصدقة وصلة رحم {فيها} أي: في الدنيا {وهم فيها لا يبخسون} أي: نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرياسة وسعة الرزق وكثرة الأولاد ونحو ذلك.

{أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط} أي: بطل {ما صنعوا} أي: عملوا {فيها} أي: الآخرة فلا ثواب لهم {وباطل ما كانوا يعملون} لأنه لغير الله تعالى، فقال مجاهد: نزلت في أهل الرياء قال صلى الله عليه وسلم «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالو: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء» . والرياء هو أن يظهر الإنسان الأعمال الصالحة لتحمده الناس ويعتقدوا فيه الصلاح، فهذا هو العمل الذي لغير الله تعالى ـ نعوذ بالله من الخذلان ـ وقال أكثر المفسرين: إنّها نزلت في الكافر، وأمّا المؤمن فيريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. وعن أنس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأمّا الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيراً» . وقيل: نزلت في المنافقين الذين يطلبون بغزوهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم الغنائم من غير أن يؤمنوا بالآخرة وثوابها. وقيل في اليهود والنصارى وهو منقول عن أنس. ولما ذكر تعالى الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة بقوله تعالى:

{أفمن كان على بيّنة من ربه} قيل: هو النبيّ صلى الله عليه وسلم والبينة هي القرآن {ويتلوه} أي: يتبعه {شاهد} يصدقه {منه} أي: من الله تعالى وهو جبريل عليه السلام {ومن قبله} أي: القرآن {كتاب موسى} وهو التوراة شاهد له أيضاً وقوله تعالى {إماماً} أي: كتاباً مؤتماً به في الدين {ورحمة} أي: على المنزل عليهم؛ لأنه الوصلة إلى الفوز بسعادة الدارين حال من كتاب موسى، والجواب محذوف لظهوره، والتقدير: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار ليس مثله بل بينهم تفاوت بعيد وتباين بين. وقيل: هو من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره، والمراد بالبينة: هو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن ومنه، أي: من الله ومن قبله كتاب موسى، أي: ويتلو ذلك البرهان من قبل مجيء القرآن كتاب موسى، أي: في دلالته على هذا المطلوب لا في الوجود. قال الرازي: وهذا القول هو الأظهر لقوله تعالى: {أولئك يؤمنون به} وهذه صفة جمع ولا يجوز رجوعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتهى. ويجوز أن تكون للتعظيم أو له صلى الله عليه وسلم ومن تبعه وربما يكون هذا أولى كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015