وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر؛ شرع في شرح أحوال من يكفر بها، وشرح أحوال من يؤمن بها، وقد ابتدأ بأوّلها ووصفه بأربع صفات مبتدئاً بأوّلها بقوله تعالى:
{إنّ الذين لا يرجون لقاءنا} أي: لا يخافونه لإنكارهم البعث، وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها، فهم مكّذبون بالثواب والعقاب والرجاء، يكون بمعنى الخوف، وبمعنى الطمع، فمن الأوّل قول العرب: فلان لايرجو فلاناً، بمعنى لا يخافه، ومنه قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} (نوح: 13) ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
إذ لسعته النحل لم يرج لسعها.
أي: لم يخفها. ومن الثاني قولهم: فلان يرجو فلاناً،، أي: يطمع فيه، والمعنى: لا يطمعون في ثوابنا، والصفة الثانية والثالثة: قوله تعالى: {ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} فيعملون لها عمل المقيم فيها مع ما يشاهدونه من سرعة زوالها منهمكين في لذاتهاوزخارفها، وسكنوا فيها سكون من لا ينزع عنها، والصفة الرابعة: قوله تعالى: {والذين هم عن آياتنا} أي: دلائل وحدانيتنا {غافلون} تاركون النظر فيها، بمنزلة الغافل عن الشيء الذي لا يخطر بباله طول عمره ذكر ذلك الشيء، وبالجملة فهذه الصفات الأربعة دالة على شدّة بعدهم عن طلب الاستعداد بالسعادات الأخروية، ويحتمل أنَّ الصفة الأخيرة لفريق آخر، ويكون المراد بالأوّلين: من أنكر البعث، ولم يرد إلا الحياة الدنيا، وبالآخر: من ألهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والإعداد له، ولما وصفهم الله تعالى بتلك الصفات قال:
{أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون} من الشرك والمعاصي، ولما شرح أحوال المنكرين الجاحدين ذكر تعالى شرح من يؤمن بها فقال:
{إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات} والأعمال الصالحة عبارة عن الأعمال التي تحمل النفس على ترك الدنيا وطلب الآخرة، والأعمال المذمومة مما يكون بالضدّ من ذلك. {يهديهم} أي: يرشدهم. {ربهم بإيمانهم} أي: بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أو لما يريدونه في الجنة، أو لإدراك الحقائق، كما قال صلى الله عليه وسلم «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» . وقال مجاهد: المؤمنون يكون لهم نور يمشي بهم إلى الجنة. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة، فيقول: أنا عملك. فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة، فيقول: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار» . ومفهوم ترتبِ الهداية على الإيمان، والعمل الصالح قد دلّ على أنّ سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح، لكن دل منطوق قوله جل وعلا: {بإيمانهم} (يونس: 9)
. على استقلال الإيمان بالسببية، وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف، ثم إنه تعالى لما وصفهم بالإيمان والأعمال الصالحة ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم ومراتب سعاداتهم، وهي أربعة الأولى: قوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} أي: يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين، والأنهار تجري من بين أيديهم، ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم، ونظيره قوله تعالى: {قد جعل ربك تحتك سرياً} (مريم: 24) فهي ما كانت قاعدة عليه، ولكن المعنى: بين يديك، وكذا قوله: {وهذه الأنهار تجري من تحتي} (الزخرف، 51) ، أي: بين يدي فكذا هنا. الثانية قوله تعالى:
{دعواهم فيها} قال بعض المفسرين:، أي: طلبهم لما يشتهون في الجنة أن يقولوا: {سبحانك} أي: ننزهك من كل سوء ونقيصة. {اللهمّ} أي: يا الله، فإذا ما طلبوا