قال مجاهد: في هذه الآية دليل على أنّ الإيمان يزيد وينقص، وكان عليّ رضي الله تعالى عنه يأخذ بيد الرجل والرجلين من الصحابة ويقول: تعالوا حتى نزداد إيماناً وقوله تعالى:
{أولا يرون} قرأه حمزة بالتاء أي: أيها المؤمنون والباقون بالياء على الغيبة أي: المنافقون {أنهم يفتنون} أي: يبتلون {في كل عام مرّة أو مرّتين} بالأمراض والقحط والحرب {ثم لا يتوبون} من نفاقهم ونقض عهودهم إلى الله تعالى {ولا هم يذكرون} أي: ولا يتعظون بما يرون من نصرته صلى الله عليه وسلم وتأييده.
{وإذا ما أنزلت سورة} فيها عيب المنافقين وتوبيخهم وقرأها صلى الله عليه وسلم {نظر بعضهم إلى بعض} أي: تغامزوا بالعيون إنكاراً لها وسخرية أو غيظاً لما فيها من عيوبهم ويريدون الهرب يقولون: {هل يراكم من أحد} أي: من المؤمنين إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا وخرجوا من المسجد وإن علموا أنّ أحداً يراهم ثبتوا على تلك الحالة {ثم انصرفوا} على كفرهم ونفاقهم وقيل: انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها ما يكرهون وقوله تعالى: {صرف الله قلوبهم} أي: عن الهدى يحتمل الإخبار والدعاء {بأنهم} أي: بسبب أنهم {قوم لا يفقهون} أي: لسوء فهمهم وعدم تدبرهم.
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم} أي: من جنسكم عربيّ مثلكم وهو محمد صلى الله عليه وسلم تعرفون حسبه ونسبه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبيّ صلى الله عليه وسلم وله فيها نسب وقال جعفر بن محمد الصادق: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية من زمن آدم عليه السلام، وعن الطبرانيّ قال صلى الله عليه وسلم «إني خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح» ، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام» وعن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام دال قد في الجيم والباقون بالإظهار {عزيز} أي: شديد شاق {عليه ما عنتم} أي: عنتكم وإيتاؤكم المكروه وقيل: يشق عليه ضلالتكم {حريص عليكم} أي: أن تهتدوا أو على إيصال الخير إليكم {بالمؤمنين} أي: منكم ومن غيركم {رؤوف} أي: شديد الرحمة بالمطيعين {رحيم} بالمذنبين وقدّم الأبلغ وهو الرؤوف محافظة على الفواصل، وعن الحسن بن الفضل: لم يجمع الله تعالى لأحد من الأنبياء بين اسمين من أسمائه إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم فسماه رؤوفاً رحيماً، وقال تعالى: {إنّ الله بالناس لرؤوف رحيم} وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بمدّ الهمزة من رؤوف، والباقون بالقصر.
{فإن تولوا} أي: فإن أعرضوا هؤلاء الكفار والمنافقون عن الإيمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وناصبوك الحرب {فقل حسبي الله} أي: يكفيني الله وينصرني عليكم وإنما كان كافياً لأنه {لا إله إلا هو} فلا مكافىء له ولا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه {عليه توكلت} أي: فلا أرجو إلا إياه ولا أخاف إلا منه لأنّ أمره نافذ في كل شيء {وهو رب العرش} أي: الكرسي {العظيم} وخصه بالذكر تشريفاً له ولأنه من أعظم مخلوقاته سبحانه وتعالى.
روي عن أبيّ بن كعب قال: آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر