خافية وفي هذا دليل على أنّ كلا الأمرين بإرادة الله تعالى {وا عليم} بأحوال عباده {حكيم} فيما يفعل بهم.

ولما ذكر تعالى أصناف المنافقين وطرائقهم المختلفة قال تعالى:

{والذين اتخذوا مسجداً} قال ابن عباس رضي الله عنه: وهم إثنا عشر رجلاً من المنافقين بنوا مسجداً {ضراراً} أي: مضارّة لإخوانهم أصحاب مسجد قباء {وكفراً} أي: وتقوية للنفاق، وقال ابن عباس: يريدون به ضراراً للمؤمنين وكفراً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وقال غيره: اتخذوه ليكفروا فيه بالطعن على النبيّ صلى الله عليه وسلم والإسلام {وتفريقاً بين المؤمنين} لأنهم كانوا جميعاً يصلون بمسجد قباء فبنوا مسجد الضرار ليصلي فيه بعضهم فيؤدّي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة {وإرصاداً} أي: ترقباً {لمن حارب الله ورسوله} وهو أبو عامر والد أبي حنظلة الذي غسلته الملائكة وكان قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح فلما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة عاداه لأنه زالت رياسته وقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي جئت به؟ قال: جئت بالحنيفية دين إبراهيم عليه السلام، فقال له أبو عامر: إنا عليها، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم «إنك لست عليها» فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريداً وحيداً غريباً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «آمين» وسماه الفاسقى فلما كان يوم أحد قال أبو عامر: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ولم يزل يقاتله إلى يوم حنين فلما انهزمت هوازن خرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من القوّة والسلاح وابنوا لي مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمداً وأصحابه فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء

وانتظروا مجيء أبي عامر ليصلي بهم في ذلك المسجد، وقوله تعالى: {من قبل} متعلق بحارب أي: حارب من قبل أن يبنى مسجد الضرار أو باتخذوا أي: اتخذوا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف.

ولما وصف تعالى هذا المسجد بهذه الصفات الأربعة قال تعالى: {وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} أي: وليحلفن ما أردنا ببنائه إلا الفعلة الحسنى وهي الرفق بالمسلمين في التوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز عن المصير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المظلمة والليلة الشاتية {وا يشهد إنهم لكاذبون} في قولهم.

تنبيه: قوله تعالى: {والذين اتخذوا} محله نصب على الاختصاص كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} (النساء، 162)

أو رفع على الابتداء والخبر محذوف أي: وممن ذكرنا الذين.

ولما بنى المنافقون ذلك المسجد للأغراض الفاسدة عند ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك وقالوا: يا رسول الله بنينا مسجداً لذي العلة والليلة المظلمة والليلة المطيرة والشاتية ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا فيه بالبركة فقال صلى الله عليه وسلم «إني على جناح سفر في حال شغل وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه» فلما قفل أي: رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد نزل قوله تعالى:

{لا تقم فيه أبداً} قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه لا تصلّ فيه أبداً، وقال الحسن: همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى ذلك المسجد فنادى جبريل: لا تقم فيه أبداً فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015