أي: أذلاء منقادون لحكم الإسلام ويكفي في الصغار أن يجري عليهم الحكم بما لا يعتقدون حله أن يجوز التوكيل على هذا تفسيره ـ أن يجلس الآخذ ويقوم الكافر ويطأطىء رأسه ويحني ظهره ويضع الجزية في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب لهزمتيه وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين: مردود بأن هذه الهيئة باطلة ودعوى سنيتها أو وجوبها أشدّ بطلاناً ولم ينقل أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من الخلفاء الراشدين فعل شيئاً من ذلك وعلى تفسيرها بما ذكر يمتنع التوكيل إذا قيل بوجوبه لا باستحبابه.
تنبيه: مفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب ولكن ألحق بهم المجوس لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، وقال: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» وكذا من زعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم ومن أحد أبويه كتابيّ والآخر وثنيّ وأولاد من تهوّد أو تنصر قبل النسخ أو شككنا في وقت التهوّد والتنصر أكان قبل النسخ أم بعده؟ فلا تعقد لأولاد من تهوّد أو تنصر بعد النسخ في ذلك الدين ولا لعبدة الأوثان والشمس والملائكة والسامرة والصابئون إن خالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم فليسوا منهم وإلا فمنهم، وعن مالك تؤخذ الجزية من كل كافر إلا المرتد، وعن أبي حنيفة إلا مشركي العرب، وأقلّ الجزية دينار لكل سنة عن كل واحد لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: «خذ من كلّ حالم» ـ أي: محتلم ـ ديناراً صححه ابن حبان والحاكم وتؤخذ من زمن وشيخ هرم وأعمى وراهب وأجير وفقير عجز عن كسب فإذا تمت سنة وهو معسر ففي ذمّته حتى يوسر، وقال أبو حنيفة على الغنيّ ثمانية وأربعون درهماً وعلى المتوسط نصفها وعلى الفقير الكسوب ربعها ولا شيء على فقير غير كسوب ولا بدّ أن يكون المأخوذ منه حرّاً ذكراً غير صبيّ ومجنون وتلحق إفاقة مجنون كثرت فإن قلّ زمن الجنون كساعة من شهر فلا أثر لها ولو بلغ ابن ذمي ولم يعط جزية ألحق بمأمنه وإن أعطاها عقد له.
وقيل: عليه كجزية أبيه ولا يحتاج إلى عقد له اكتفاء بعقد أبيه ومن مات ممن عقدت له الجزية أو أسلم أو جنّ أو حجر عليه بفلس أو سفه بعد سنة فجزيته كدين آدميّ أو في أثنائها تقسط وتسقط بالإسلام والموت عند أبي حنيفة.
{وقالت اليهود عزير ابن الله} اختلفوا في قائل هذه المقالة على أقوال: أحدها قال عبيد بن عمير: إنما قال هذا القول رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص بن عازوراء وهو الذي قال: إنّ الله فقير ونحن أغنياء وثانيها قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعكرمة: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا: كيف نتبع دينك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أنّ عزيراً ابن الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وعلى هذين القولين القائل إنما هو بعض اليهود إلا أنّ الله تعالى نسب ذلك إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على اسم الواحد يقال: فلان ركب الخيول ولعله لم يركب إلا واحداً منها، وفلان يجالس السلاطين ولعله لم يجالس إلا واحداً. وثالثها: أنّ هذا المذهب لعله كان ثابتاً فيهم ثم انقطع فحكى الله تعالى ذلك عنهم ولا عبرة بإنكار اليهود لذلك فإنّ الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على