والقليل والكثير، فكأنه قيل: فلما آتاهما أولاداً صالحي الخلقة من الذكور والإناث جعل النوعان {له شركاء} أي: بعضهم أصناماً وبعضهم ناراً وبعضهم شمساً وبعضهم غير ذلك، وقيل: جعل أولادهما له شركاء {فيما آتاهما} أي: فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} .
{أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون} أي: الأصنام.
فإن قيل: كيف وحد {يخلق} ، ثم جمع فقال: {وهم يخلقون} ؟ أجيب: بأنّ لفظ ما يقع على الواحد والاثنين والجمع، فوحد بحسب ظاهر اللفظ، وجمع باعتبار المعنى.
فإن قيل: كيف جمع الواو والنون لمن لا يعقل وهو جمع من يعقل من الناس؟ أجيب: بأنه لما اعتقد عابدوا الأصنام أنها تعقل وتميز ورد هذا الجمع على ما يعتقدونه، وقيل: لما حملت حوّاء أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما يدريك ما في بطنك؟ ولعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك وذكرت لآدم فهُمّا منه، وهو بضمّ الهاء وتشديد الميم من الهم وهو هنا الحزن، ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله على أن يجعله خلقاً مثلك، ويسهل عليك خروجه فسميه عبد الحرث، وكان اسم إبليس حارثاً في الملائكة، ففعلت ولما ولدته سمته عبد الحرث.
فإن قيل: قد قال البيضاويّ: وأمثال ذلك لا تليق بالأنبياء، ويحتمل أن يكون الخطاب في خلقكم لآل قصيّ من قريش، فإنهم خلقوا من نفس قصيّ وكان له زوج من جنسها عربية قرشية فطلبا من الله تعالى الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم عبد شمس وعبد مناف وعبد قصيّ وعبد الدار، ويكون الضمير في يشركون لهما ولأعقابهما المقتدين بهما اه أجيب: بأنه نظر في ذلك إلى الظاهر وإلا فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحرث فإنه يعيش، فسمته فعاش فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره» رواه الحاكم وقال: صحيح، والترمذيّ وقال حسن غريب.
وروي عن ابن عباس أنه قال: كانت حواء تلد لآدم فتسميه: عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث، فسمياه فعاش، وجاء في حديث «خدعهما إبليس مرتين: مرّة في الجنة ومرّة في الأرض» ، وهو قول كثير كمجاهد وسعيد بن المسيب وهذا كما قال البغويّ: ليس إشراكاً في العبادة، ولا أنّ الحرث ربهما فإنّ آدم كان نبياً معصوماً من الشرك ولكن قصد إلى أنّ الحرث كان سبب نجاة الولد وسلامة أمّه، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به إنه مملوك كما يطلق اسم الرب على من لا يراد به أنه معبود هذا كالرجل إذا نزل به ضيف يسمي نفسه عبد الضيف على وجه الخضوع لا على وجه أنّ الضيف يملكه قال الشاعر:
*وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً ... ولا شيمة لي بعدها تشبه العبدا*
وتقول للغير: أنا عبدك، قال الرازي: ورأيت بعض الأفاضل كتب على عنوان عبد ودود فلان، وقال يوسف عليه السلام لعزيز مصر: {إنه ربي} (يوسف، 23)
ولم يرد به معبوده كذلك هذا فقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} ابتداء كلام، وأريد به إشراك أهل مكة، وقرأ نافع وشعبة: «شركاً» بكسر الشين وسكون الراء وألف منونة بعد الكاف في الوصل وفي الوقف بغير تنوين أي: شركة،