أي: لا يقدر على إظهار وقتها المعيّن بالإعلام والإخبار إلا هو {ثقلت} أي: عظمت {في السموات والأرض} أي: ثقل أمرها وخفي علمها على أهل السموات والأرض، وكل شيء خفي فهو ثقيل شديد، وقال الحسن: إذا جاءت ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض، وإنما ثقلت عليهم؛ لأنّ فيها فناءهم وموتهم، وذلك ثقيل على القلوب وقوله تعالى: {لا تأتيكم إلا بغتة} تأكيد أيضاً لما تقدّم وتقرير لكونها بحيث لا تجيء إلا فجأة على حين غفلة من الخلق.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة والرجل قد رفع الأكلة إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه» اللقحة بفتح اللام وكسرها الناقة القريبة العهد بالنتاج وقوله: يليط حوضه، ويروى: يلوط حوضه أي: يطينه ويصلحه، يقال: لاط حوطه يليطه ويلوطه إذا طينه، والأكلة بضمّ الهمزة اللقمة. وفي رواية «أنّ الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم بسلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه» ، رواه بمعناه الشيخان. {يسألونك} أي: يسألك قومك عن الساعة {كأنك حفيّ عنها} أي: عالم بها من قولهم: أحفيت في المسألة إذا بالغت في السؤال عنها حتى علمتها، وقيل: الحفي البارّ اللطيف ومنه قوله سبحانه وتعالى: {إنه كان بي حفياً} (مريم، 47)

أي: بارّاً لطيفاً مجيب دعائي إذا دعوته أي: يسألونك كأنك بارّ بهم لطيف العشرة معهم، وهذا قول الحسن ويؤيده ما روي في تفسيره: أنّ قريشاً قالت لمحمد صلى الله عليه وسلم إنّ بيننا وبينك قرابة فاذكر لنا متى الساعة.

والمعنى يسألونك عنها كأنك حفيّ فتحفى بهم أي: فتخصهم لأجل قرابتك بتعليم وقتها، وتروي علمها عن غيرهم ولو أخبرت بوقتها لمصلحة علمها الله تعالى في إخبارك به لكنت مبلغه القريب والغريب من غير تخصيص كسائر ما أوحي إليك.

وقيل: كأنك حفيّ بالسؤال عنها تحبه وتؤثره أي: إنك تكره السؤال عنها؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه ولم يؤته أحداً من خلقه كقوله تعالى: {قل} يا محمد {إنما علمها عند الله} أي: استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلم متى الساعة إلا هو.

فإن قيل: قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} وقوله تعالى ثانياً: {يسألونك كأنك حفيّ عنها} فيه تكراراً. أجيب: بأنه لا تكرار؛ لأنّ السؤال الأوّل عن وقت قيام الساعة، والثاني عن كنه ثقل الساعة وشدّتها ومهابتها، فلا يلزم التكرار.

وقيل: ذكر الثاني للتأكيد ولما جاء به من زيادة قوله: {كأنك حفيّ عنها} وعلى هذا تكرار العلماء الحذاق في كتبهم لا يحلون المكرر من فائدة، ومنهم محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى.

فإن قيل: لم أجاب عن الأوّل بقوله: {إنما علمها عند ربي} وعن الثاني بقوله: {إنما علمها عند الله} ؟ أجيب: بأنّ السؤال الأوّل لما كان واقعاً عن وقت قيام الساعة، والثاني كان واقعاً عن مقدار شدّتها ومهابتها عبر عن الجواب فيه بقوله: علم ذلك عند الله؛ لأنه أعظم أسمائه مهابة وعظمة ثم إنه تعالى ختم هذه الآية بقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أي: لا يعلمون السبب الذي من أجله أخفيت معرفة علم وقت قيامها المغيب عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015