وقال أهل المعاني: إنّ الكفار لهم قلوب يفقهون بها مصالحهم المتعلقة بالدنيا، ولهم أعين يبصرون بها المرئيات، وآذان يسمعون بها الكلمات، وهذا لا شك فيه، ولما وصفهم الله تعالى بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون مع وجود هذه الحواس الدرّاكة علم أنّ المراد من ذلك يرجع إلى مصالح الدين، وما فيه نفعهم في الآخرة، والعرب تقول مثل ذلك لمن ترك استعمال بعض جوارحه فيما لا يصلح له، ومنه قوله الشاعر:

*وعوراء الكلام صممت عنها ... وإني إن أشاء بها سميع*

فإنه أثبت له صمماً مع وجود السمع ولما سلب عنهم هذه المعاني كانت النتيجة {أولئك} أي: البعداء من المعاني الإنسانية {كالأنعام} في أنها لا تفهم ولا تعقل ذلك؛ لأنّ الإنسان وسائر الحيوانات مشتركة في هذه الحواس الثلاث التي هي القلب والبصر والسمع، وإنما فضل الإنسان على سائر الحيوانات بالعقل والإدراك والفهم المؤدّي إلى معرفة الحق من الباطل والخير من الشرّ، فإذا كان الكافر لا يعرف ذلك ولا يدركه كان لا فرق بينه وبين البهائم التي لا تدرك شيئاً، ولما كانوا قد زادوا على ذلك بفقد نفع هذه الحواس قال تعالى: {بل هم أضلّ} سبيلاً من الأنعام؛ لأنّ الأنعام تعرف ما يضرّها وما ينفعها، فإذا رأت ناراً مثلاً لا تقع فيها، وإذا رأت كلأ مثلاً دخلت فيه، والكافر لا يعرف ذلك؛ ولأنّ الحيوان لا قدرة له على تحصيل هذه الفضائل؛ والإنسان أعطي القدرة على تحصيلها، ومن أعرض عن اكتساب الفضائل العظيمة مع القدرة على تحصيلها كان أخس حالاً ممن لم يكتسبها مع العجز عنها؛ ولأنّ الأنعام مطيعة لله تعالى، والكافر غير مطيع، ولأنّ الأنعام تعرف ربها وتذكره، وهم لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه؛ ولأنها تضل إذا لم يكن معها مرشد، فأما إذا كان معها مرشد فقل أن تضل، وهؤلاء الكفار قد جاءهم الأنبياء وأنزل عليهم الكتب، وهم يزدادون في الضلالة.

ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: {أولئك هم الغافلون} قال عطاء: عما أعدّ الله تعالى لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.

{والأسماء الحسنى} ذكر ذلك في أربع سور أوّلها هذه السورة، وثانيها في آخر سورة بني إسرائيل في قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعو فله الأسماء الحسنى} (الإسراء، 110)

وثالثها في أوّل طه وهو قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} (طه، 8)

ورابعها في آخر الحشر في قوله تعالى: {هو الله الخالق البارىء المصوّر له الأسماء الحسنى} (الحشر، 24)

والحسنى مؤنث الأحسن كالكبرى والصغرى {فادعوه بها} أي: فسموه بتلك الصفات، وللدعاء شروط منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها، ومنها أن يستحضر في قلبه عظمة المدعو سبحانه وتعالى، ومنها أن يخلص إليه في دعائه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر» وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «يا الله يا رحمن» فقال المشركون: إنّ محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو اثنين فأنزل الله تعالى هذه الآية.

والأسماء الحسنى كما في الحديث «الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015