أخذتهم الرجفة حتى كادت أن تبين منهم مفاصلهم فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت واشتدّ عليه فقدهم وكانوا له وزراء على الخير سامعين مطيعين فعند ذلك دعا وبكا وناشد ربه فكشف الله تعالى عنهم تلك الرجفة واطمأنوا وسمعوا كلام ربهم وذلك قوله تعالى: {قال} أي: موسى {رب لو شئت أهلكتهم من قبل} أي: من قبل عبادة العجل وإياي بقتلي القبطي {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} أي: عبدة العجل وظنّ موسى أنهم عوقبوا باتخاذ بني إسرائيل العجل وقال هذا على طريق
السؤال، وقال المبرد: هو استفهام استعطاف أي: لا تهلكنا وقد علم موسى عليه السلام أنّ الله تعالى أعظم من أن يأخذ بجريرة الجاني غيره، وقيل: بما فعل السفهاء من العناد والتجاسر على طلب الرؤية وكان ذلك قاله بعضهم {إن هي} أي: ما هي {إلا فتنتك} قال الواحدي: الكناية في هي تعود إلى الفتنة كما تقول: إن هو إلا زيد، والمعنى: أنّ تلك الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك أي: اختبارك وابتلاؤك وهذا تأكيد لقوله تعالى: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} لأنّ معناه لا تهلكنا بفعلهم فإنّ تلك الفتنة كانت اختباراً منك وابتلاء أضللت بها قوماً فافتتنوا بأن أوجدت في العجل خواراً فزاغوا به وأسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية هديت قوماً فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك فذلك معنى قوله: {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} ولما أثبت أنّ الكل بيده تعالى استأنف سؤاله في أن يفعل لهم الأصلح فقال: {أنت} أي: وحدك {ولينا} نعتقد أن لا يقدر على عمل مصالحنا غيرك وأنت لا نفع لك في شيء من الأمرين ولا ضر بل الكل بالنسبة إليك على حد سواء ونحن على بصيرة من أنّ أفعالك لا تعلل بالأغراض وعفوك عنا ينفعنا وانتقامك منا يضرّنا ونحن في حضرتك قد انقطعنا إليك وحططنا رحال افتقارنا لديك {فاغفر لنا} أي: امح ذنوبنا {وارحمنا} أي: اشملنا برحمتك التي وسعت كل شيء {وأنت خير الغافرين} أي: لأنّ غيرك يتجاوز عن الذنب طلباً للثناء أو للثواب أو دفعاً للصفة الخسيسة وهي صفة الحقد ونحوه وأنت منزه عن ذلك فتغفر السيئة وتبدلها حسنة.
أي: أوجب أو أثبت أو اقسم {لنا} أي: في مدّة إحيائك لنا {في هذه الدنيا} أي: الحاضرة والدنية {حسنة} أي: حسن معيشة وتوفيق طاعة {وفي الآخرة} أي: واكتب لنا في الحياة الآخرة حسنة وهي الجنة ثم علل ذلك بقوله: {إنا هدنا} أي: تبنا {إليك} أي: عما لا يليق بجنابك وأصل الهود الرجوع برفق والهود جمع هائد وهو التائب ولبعضهم:
*يا راكب الذنب هدهد ... واسجد كأنك هدهد*
قال بعضهم: وبه سميت اليهود وكان اسم مدح قبل نسخ شريعتهم ثم صار اسم ذم بعد نسخها {قال} الله تعالى لموسى: {عذابي أصيب به من أشاء} من خلقي أذنب أو لم يذنب لا اعتراض علي {ورحمتي وسعت} عمت وشملت {كل شيء} من خلقي في الدنيا ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين «إنّ رحمتي سبقت غضبي» وفي رواية «غلبت غضبي» وأمّا في الآخرة فقال تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون} الله {ويؤتون الزكاة} وخصها بالذكر لنفعها المتعدّي ولأنها كانت أشق عليهم، قال قتادة: لما نزل {ورحمتي وسعت