سائل قال: فما قال لهم هود، فقيل: قال: يا قوم، وقيل: إنّ نوحاً كان مواظباً على دعوته قومه غير متوان فيها لأن الفاء تدل على التعقيب وأمّا هود فلم يكن كذلك بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء فأخبر الله تعالى عنه بقوله: {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} {أفلا تتقون} الله أي: أفلا تخافون عقابه فتؤمنون ولما كانت هذه القصة معطوفة على قصة نوح وقد علم ما حل بهم من الغرق حسن قوله هنا: {أفلا تتقون} أي: أفلا تخافون ما نزل بهم من العذاب ولما لم يكن قبل واقعة قوم نوح شيء حسن تخويفهم من العذاب فقال هناك: {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} (الأحقاف، 21)
{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} أي: في حمق وجهالة وضلالة عن الصواب.
فإن قيل: لم قال قوم نوح: إنا لنراك في ضلال مبين، وقوم هود: إنا لنراك في سفاهة؟ أجيب: بأنّ نوحاً لما خوّف قومه بالطوفان وطفق في عمل السفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء قال له قومه: إنا لنراك في ضلال مبين حيث تتعب في إصلاح سفينة في هذه الأرض، وأمّا هود عليه السلام لما زيف عبادة الأصنام ونسب من عبدها إلى السفه وهو قلة العقل قابلوه بمثله فقالوا: إنا لنراك في سفاهة {وإنا لنظنك من الكاذبين} أي: في ادعائك أنك رسول من رب العالمين.
{قال} هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه {يا قوم ليس بي سفاهة} أي: ليس الأمر كما تزعمون أنّ بي سفاهة {ولكني رسول من رب العالمين} .
{أبلغكم رسالات ربي} أي: أؤدي إليكم ما أرسلني به من أوامره ونواهيه وشرائعه وتكاليفه {وأنا لكم ناصح} أي: فيما آمركم به من عبادة الله تعالى {أمين} أي: مأمون على تبليغ الرسالة وأداء النصح والأمين الثقة على ما إئتمن عليه.
فإن قيل: لم قال نوح: وأنصح لكم بصيغة الفعل وقال هود: وأنا لكم ناصح بصيغة اسم الفاعل؟ أجيب: بأنّ صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة وكان نوح يدعو قومه ليلاً ونهاراً كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: {رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً} (نوح، 5)
فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل فقال: {وأنصح لكم} وأمّا هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتاً دون وقت فلهذا قال: {وأنا لكم ناصح أمين} .
فإن قيل: مدح الذات بأعظم صفات المدح غير لائق بالعقلاء؟ أجيب: بأنه فعل هود ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام قومه بذلك ومقصوده الرد عليهم في قولهم: {وإنا لنظنك من الكاذبين} فوصف نفسه بالأمانة وأنه أمين في تبليغ ما أرسل به من عند الله وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها.
{أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم} سبق تفسيره.
تنبيه: في إجابة الأنبياء الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والإعراض عن مقالتهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وهكذا ينبغي لكل ناصح {واذكروا} نعمة الله عليكم {إذا جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} أي: خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكاً في الأرض فإنّ شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج وهو موضع بالبادية بها رمل إلى شحر عمان وهو بفتح الشين المعجمة وكسرها وبالحاء المهملة ساحل البحر بين عمان وعدن {وزادكم في الخلق بسطة} أي: طولاً وقوّة قال الجلال المحلى في سورة الفجر: كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع وقامة