عنهم فلا نجيب دعاءهم ولا نرحم ضعفهم {كما نسوا لقاء يومهم هذا} أي: كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا كفعل الناسين فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا له وأعرضوا عن الإيمان فقابل الله تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز لأنّ الله تعالى لا ينسى شيئاً فهو كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى، 40)
{وما كانوا بآياتنا يجحدون} أي: وما كانوا منكرين أنها من عند الله تعالى.
{ولقد جئناهم} أي: هؤلاء الكفار {بكتاب} أي: قرآن أنزلناه عليك يا محمد {فصلناه} أي: بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصلة {على علم} أي: عالمين وجه تفصيله، وقوله تعالى: {هدى ورحمة لقوم يؤمنون} أي: به حال من منصوب فصلناه كما أنّ على علم حال من مرفوعه.
{هل ينظرون} أي: ما ينظرون {إلا تأويله} أي: إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد {يوم يأتي تأويله} أي: يوم القيامة لأنه يوم الجزاء {يقول الذين نسوه من قبل} أي: تركوه ترك الناسي {قد جاءت رسل ربنا بالحق} أي: قد تبين لهم واعترفوا يوم القيامة بأنّ ما جاءت به الرسل من الإيمان والحشر والنشر والبعث والثواب والعقاب حق حين لا ينفعهم ذلك الاعتراف.
ولما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} اليوم {أو نردّ} أي: أو هل نردّ إلى الدنيا وقولهم: {فنعمل غير الذي كنا نعمل} فيها فنبدل الكفر بالإيمان والتوحيد والمعاصي بالطاعة والإنابة جواب الاستفهام الثاني {قد خسروا أنفسهم} أي: إذ صاروا إلى الهلاك لأنهم كانوا في الدنيا أوّل مرّة فلم يعملوا بطاعة الله ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعصيان لسابق علم الله فيهم {وضل} أي: ذهب {عنهم ما كانوا يفترون} أي: من دعوى الشريك فلم ينفعهم.
{إنّ ربكم} أي: سيدكم ومولاكم ومصلح أموركم وموصل الخيرات إليكم ودافع المكاره عنكم هو {الله الذي خلق السموات والأرض} أي: ابتدعهما وأنشأ خلقهما على غير مثال سبق {في ستة أيام} أي: من أيام الدنيا، وقيل: من أيام الآخرة كل يوم ألف سنة.
فإن قيل: اليوم من أيام الدنيا عبارة عن مقدار من الزمان وذلك المقدار من طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن إذ ذاك شمس ولا قمر ولا سماء. أجيب: بأنّ معنى ذلك في مقدار ستة أيام فهو كقوله تعالى: {لهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} (مريم، 62)
أي: على مقادير البكر والعشيّ في الدنيا لأن الجنة لا ليل فيها ولا نهار قال سعيد بن جبير: كان الله عز وجل قادراً على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهنّ في ستة أيام تعليماً لخلقه التثبت والتأني في الأمور، وقد جاء في الحديث: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» . واختلف العلماء في اليوم الذي ابتدأ الله خلق الأشياء فيه فقيل: هو يوم السبت لخبر مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجرة يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق الله آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار وفيما بين العصر إلى الليل» ، وقيل: يوم الأحد لقول بعضهم سمي يوم الإثنين لأنه ثاني الأيام والخميس لأنه خامس الأيام قال الإسنوي: والصواب الأول للخبر المذكور {ثم استوى على