وقوله تعالى: {أنت} تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه {وزوجك} أي: حواء بالمدّ وذلك بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه وطرده من الجنة {الجنة فكلا من حيث شئتما} من ثمار الجنة أي: من أيّ مكان شئتما.
فإن قيل: قال تعالى في سورة البقرة: {وكلا} (البقرة، 35)
بالواو وهنا بالفاء فما الفرق؟ أجاب الفخر الرازي: بأن الواو تفيد الجمع المطلق والفاء تفيد الجمع على سبيل التعقيب فالمفهوم من الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو ولا منافاة بين النوع والجنس ففي سورة البقرة ذكر الجنس وهنا ذكر النوع {ولا تقربا هذه الشجرة} أي: بالأكل منها مشيراً إلى شجرة بعينها أو نوعها وهي الحنطة، وقيل: شجرة الكرم، وقيل: غيرهما {فتكونا من الظالمين} أي: بالأكل منها أي: فتصيرا بذلك من الذين ظلموا أنفسهم، وتكونا يحتمل الجزم عطفاً على تقربا والنصب على جواب النهي.
{فوسوس لهما الشيطان} أي: إبليس بما مكنه الله تعالى منه من أنه يجري من الإنسان مجرى الدم ويلقي له في سره ما يميل به قلبه إلى ما يريد وهو أحقر وأذلّ من أن يكون له فعل وإنما الكل بيد الله سبحانه وتعالى وهو الذي جعله آلة لمراده منه ومنهم فإن {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون} (الأعراف، 178)
ثم بين علة الوسوسة بقوله تعالى: {ليبدي} أي: ليظهر {لهما ما ووري} أي: ستر وغطى {عنهما من سوآتهما} أي: عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوجة من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت منه صلى الله عليه وسلم ولا رأى مني» أي: الفرج.
{وقال} أي: إبليس لآدم وحواء {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة} أي: عن الأكل منها {إلا أنّ} أي: كراهة أن {تكونا ملكين} أي: في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وغير ذلك من خواصهم {أو تكونا من الخالدين} أي: الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلاً كما في آية أخرى، {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} (طه، 12)
{وقاسمهما} أي: أقسم لهما بالله على ذلك وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة، وقيل: أقسما له بالقبول، وقيل: أقسما عليه بالله إنه لهما لمن الناصحين فأقسم لهما {أني لكما لمن الناصحين} فجعل ذلك مقاسمة وقال قتادة: حلف لهما بالله حين خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله تعالى فقال: إني خلقت قبلكما وأنا أعلم فاتبعاني أرشدكما وفيه تنبيه على الاحتراز من الحالف وإن الأغلب أنّ كل حلاف كاذب وأنه لا يحلف إلا عند ظنه أن سامعه لا يصدقه ولا يظنّ ذلك إلا وهو معتاد للكذب، وقال بعض العلماء: من خادعنا بالله خدعنا له، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه وكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق فقيل له: إنهم يخدعونك فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له وإبليس لعنه الله تعالى أوّل من حلف بالله تعالى كاذباً فلما حلف ظن آدم أنّ أحداً لا يحلف بالله تعالى كاذباً فاغتر به.
{فدلاهما بغرور} أي: خدعهما، يقال: ما زال يدلي لفلان بالغرور يعني ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف القول الباطل وقيل: حطهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش {فلما ذاقا الشجرة} أي: أكلا من ثمرها وفي ذلك دليل على أنهما تناولا اليسير من ذلك قصداً إلى