{ولا تتبعوا السبل} أي: الطرق المخالفة لدين الإسلام {فتفرّق} فيه حذف إحدى التاءين أي: فتميل {بكم} أي: هذه الطرق المضلة {عن سبيله} أي: طريقه التي ارتضاها لعباده وبها أوصى {ذلكم} أي: الأمر العظيم من اتباعه {وصاكم به لعلكم تتقون} الضلال والتفرق عن الحق.
روي «أنه صلى الله عليه وسلم خط خطاً» ثم قال: «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله وقال: «هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: {وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه} » .
{ثم آتينا موسى الكتاب} أي: التوراة.
فإن قيل: ثم للترتيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن أجيب: بأنّ ثم لترتيب الإخبار أي: ثم أخبركم أنا آتينا موسى الكتاب فدخل ثم لترتيب الخبر لا لتأخير النزول، وقوله تعالى: {تماماً} حال أي: لم ينقص الكتاب عما يصلحهم شيئاً {على} الوجه {الذي أحسن} أي: أتى بالإحسان فأثبت الحسن وجمعه بما بين من الشرع وبما حمى طوائف أهل الأرض به من الإهلاك العام.
روي أنّ الله تعالى لم يهلك قوماً هلاكاً عامّاً بعد نزول التوراة، وقيل: تماماً على المحسنين من قوم موسى فيكون الذي بمعنى من أي: على من أحسن من قومه وكان فيهم محسن ومسيء، وقيل: الذي أحسن هو موسى عليه السلام أي: إتماماً للنعمة عليه لإحسانه بالعبادة أو الذي بمعنى ما أي: ما أحسن، وقوله تعالى: {وتفصيلاً} عطف على تماماً أي: وبياناً {لكل شيء} أي: يحتاج إليه في الدين {وهدى} أي: فيه هدى من الضلالة {ورحمة} أي: إنزاله عليهم رحمة لهم {لعلهم} أي: بني إسرائيل {بلقاء ربهم} أي: بالبعث والجزاء {يؤمنون} أي: ليكون حالهم بعد إنزال الكتاب لما يرون من حسن شرائعه وفخامة كلامه وجلالة أمره حال من يرجو أن يجدد الإيمان في كل وقت بلقاء ربه وليذكروا ما أنعم به عليهم من إخراجهم من مصر من العبودية والرق.
{وهذا} أي: القرآن {كتاب} أي: عظيم {أنزلناه} إليكم أي: بلسانكم حجة عليكم {مبارك} أي: كثير الخير والنفع والبركة {فاتبعوه} أي: اتبعوا ما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام {واتقوا} الكفر {لعلكم ترحمون} أي: بواسطة اتباعه وهو العمل بما فيه، ثم بيّن تعالى المراد من إنزاله فقال:
{أن} أي: كراهة أن {تقولوا إنما أنزل الكتاب} أي: التوراة والإنجيل {على طائفتين من قبلنا} أي: اليهود والنصارى {وإن كنا} أي: وقد كنا وإن هي المخففة من الثقيلة ولذلك دخلت اللام الفارقة بينها وبين النافية في خبر كان أي: وإنه كنا {عن دراستهم} قراءتهم لكتابهم قراءة مردودة {لغافلين} أي: لا نعرف حقيقتها ولا ثبت عندنا حقيقتها ولا هي بلساننا.
{أو تقولوا} أي: أيها العرب لم نكن عن دراستهم غافلين بل كنا عالمين بها ولكنه لا يجب اتباع الكتاب إلاعلى المكتوب إليه فلم نتبعه و {لو أنا} أهلنا لما أهلوا له حتى {أنزل علينا الكتاب} أي: جنسه {لكنا أهدى منهم} أي: لما لنا من الاستعداد بوفور العقل وحدة الأذهان واستقامة الأفكار واعتدال الأمزجة والإذعان للحق {فقد جاءكم بينة من ربكم} أي: القرآن فيه بيان وحجة واضحة تعرفونها على لسان رجل منكم تعرفون أنه أولاكم بذلك {وهدى} من الضلالة لمن تدبره {ورحمة} أي: وهو رحمة ونعمة أنعم بها عليكم فتأمّلوا فيه واعملوا به {فمن} أي: لا أحد {أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف} أي: أعرض {عنها} فضل وأضل {سنجزي الذين يصدفون