دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقي الموت» {ومن يرد} أي: الله {أن يضله يجعل صدره ضيقاً} أي: عن قبول الإيمان حتى لا يدخله، وقرأ ابن كثير بسكون الياء، والباقون بتشديدها مع الكسر، وقوله تعالى: {حرجاً} قرأه نافع وأبو بكر بكسر الراء أي: شديد الضيق، والباقون بالفتح وصفاً للمصدر، وفي الآية دليل على أنّ جميع الأشياء بمشيئة الله وإرادته حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر {كأنما يصعد في السماء} أي: يشق عليه الإيمان كما يشق عليه صعود السماء شبه مبالغته في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، وقرأ ابن كثير بسكون الصاد وتخفيف العين من غير ألف بعد الصاد، وقرأ شعبة بتشديد الصاد وتخفيف العين وألف بعد الصاد بمعنى يتصاعد {كذلك} أي: مثل ما جعل الله الرجس على من أراد ضلاله من أهل هذا الزمان {يجعل الله الرجس} أي: العذاب أو الشيطان أي: يسلطه {على الذين لا يؤمنون} وقال الزجاج: الرجس في الدنيا اللعنة وفي الآخرة العذاب.

{وهذا} أي: الدين الذي أنت عليه يا محمد {صراط} أي: طريق {ربك مستقيماً} لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكدة للجملة والعامل فيها معنى الإشارة {قد فصلنا} أي: بينا {الآيات لقوم يذكرون} فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي: يتعظون فيعلمون أن القادر على كل شيء هو الله عز وجل وأن كل ما يحدث من خير أو شرّ فهو بقضائه وقدره وخلقه وإنه تعالى عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون.

{لهم} أي: المتذكرين {دار السلام} هي الجنة وأضافها لنفسه في قول جميع المفسرين فإنّ السلام كما قال الحسن هو الله تعالى تشريفاً لهم أو {تحيتهم فيها سلام} (يونس، 10)

أو أراد بها دار السلامة {عند ربهم} أي: ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره {وهو وليهم} أي: المتكفل بتولي أمورهم ولا يكلهم إلى أحد سواه {ما} أي: بسبب ما {كانوا يعملون} من الأعمال الصالحة التي كانوا يتقرّبون بها إليه في الدنيا.

{و} اذكر يا محمد {يوم نحشرهم} أي: الخلق {جميعاً} أي: لا نترك منهم أحداً، وقرأ حفص بالياء والباقون بالنون، وقوله تعالى: {يا معشر الجنّ} فيه حذف تقديره ويقال لهم: يا معشر الجنّ، والمعشر الجماعة والمراد من الجنّ الشياطين {قد استكثرتم من الإنس} أي: من إضلالهم وإغوائهم حتى صار أكثرهم أتباعكم {وقال أولياؤهم} أي: الذين أطاعوهم {من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} أي: انتفع الإنس بتزيين الجنّ لهم الشهوات والجنّ بطاعة الإنس لهم {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} أي: إنّ ذلك الاستمتاع كان إلى أجل معين ووقت محدود ثم ذهب وبقيت الحسرة والندامة قال الحسن: الأجل الموت، وقيل: هو وقت البعث للحساب في القيامة {قال} الله تعالى على لسان الملائكة لهؤلاء الذين استمتع بعضهم ببعض من الجنّ والإنس {النار مثواكم} أي: مأواكم {خالدين فيها} أي: إلى ما لا آخر له فإنّ الجزاء من جنس العمل {إلا ما شاء الله} أي: من الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير.

فقد روي أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم، وقيل: إلا ما شاء الله قبل الدخول قدر مدّة بعثهم ووقوفهم للحساب وقال ابن عباس: الاستثناء يرجع إلى قوم سبق في علم الله أنهم يسلمون فيخرجون من النار، قال البغوي: فما بمعنى من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015