أي: الخضر {حباً متراكباً} أي: يركب بعضه بعضاً كسنابل الحنطة والشعير والأرز والذرة وقوله تعالى: {ومن النخل} خبر مقدّم ويبدل منه {من طلعها} وهو أوّل ما يخرج منها والمبتدأ {قنوان} أي: عراجين {دانية} أي: قريبة من التناول يتناولها النائم والقاعد أو قريب بعضها من بعض وإنما اقتصر على ذكرها عن مقابلها وهي البعيدة لدلالتها عليها كقوله تعالى {سرابيل تقيكم الحرّ} (النحل، 81)

أي: والبرد واكتفى بذكر أحدهما وحكمة تخضيص دانية بالذكر زيادة النعمة فيها وقوله تعالى: {وجنات} عطف على نبات كلّ شيء أي: وأخرجنا به بساتين {من أعناب} وقوله تعالى: {والزيتون والرمّان} عطف أيضاً على نبات أي: وأخرجنا به شجر الزيتون والرمّان {مشتبهاً وغير متشابه} قال قتادة: معناه مشتبهاً ورقها مختلفاً ثمرها لأن ورق الزيتون يشتبه ورق الرمان، وقيل: مشتبهاً في النظر مختلفاً في الطعم والله سبحانه ذكر في هذه الآية أربعة أنواع من الشجر بعد ذكر الزرع وقدّم الزرع على سائر الأشجار لأنّ الزرع غذاء وثمار الأشجار فواكه والغذاء مقدّم على الفواكه وقدم النخل على غيرها لأنّ ثمرها يجري مجرى الغذاء وفيها من المنافع والخواص ما ليس في غيرها من الأشجار قال بعضهم وليس لنا أنثى من الشجر تحتاج إلى ذكر غير النخل أي: في تطييب ثمرها وذكر العنب عقب النخل لأنه من أشرف أنواع الفواكه ثم ذكر عقبه الزيتون لما فيه من البركة والنفع ثم ذكر بعده الرمان لما فيه من المنافع أيضاً {انظروا} أيها المخاطبون نظر اعتبار {إلى ثمره} قرأ حمزة والكسائيّ بضمّ الثاء والميم، والباقون بالنصب، وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب {إذا أثمر} أي: حين يبدو من أكمامه ضعيفاً قليل النفع أو عديمه {و} انظروا إلى {ينعه} أي: إلى إدراكه إذا أدرك وحان قطفه كيف يصير ذا نفع ولذة والمعنى انظروا نظر استدلال واعتبروا كيف أخرج الله هذه الثمرة اللطيفة من هذه الشجرة الكثيفة اليابسة وهو قوله تعالى: {إنّ في ذلكم لآيات} أي: دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره فإنّ حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ويرجح ما تقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ندّ يعارضه أو ضد يعانده وخص المؤمنين بالذكر بقوله: {لقوم يؤمنون} لأنهم المنتفعون بها بخلاف الكافرين ولذلك عقبه بتوبيخ من

أشرك به والردّ عليه فقال تعالى:

{وجعلوا شركاء الجنّ} أي: الشياطين لأنهم أطاعوهم في عبادة الأوثان فجعلوها شركاء الله.

فإن قيل: لله مفعول ثان لجعلوا وشركاء مفعول أوّل ويبدل منه الجنّ فما فائدة التقديم؟ أجيب: بأنّ فائدته استعظام أن يتخذ لله شريك من جنّ أو إنس أو ملك فلذلك قدم اسم الله تعالى على الشركاء، وقيل: المراد بالجنّ الملائكة بأن عبدوهم وقالوا: الملائكة بنات الله وسماهم جناً لاجتنانهم تحقيراً لشأنهم، وقال الكلبيّ: نزلت في الزنادقة أثبتوا الشركة لإبليس في الخلق فقالوا: الله خالق النور والناس والدواب والأنعام وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب فيقولون: هو شريك الله في تدبير هذا العالم فما كان من خير فمن الله وما كان من شر فمن إبليس تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً وقوله تعالى: {وخلقهم} حال بتقدير قد والضمير إمّا أن يعود إلى الجنّ فيكون المعنى والله خلق الجنّ فكيف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015