بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرّقة وإخفاء بعض لا يشتهونه. وقوله تعالى:
{وعلمتم} أي: على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} خطاب لليهود أي: علمتم زيادة على ما في التوراة وبياناً لما التبس عليكم وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم، ونظيره أنّ هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون يذكرهم النعمة فيما عليهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: الخطاب لمن آمن من قريش. وقوله تعالى: {قل الله} أنزله راجع إلى قوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} أي: فإن أجابوك بأنّ الله أنزله فذاك وإلا فقل أنت الله أنزله إذ لا جواب غيره {ثم ذرهم} أي: اتركهم {في خوضهم} أي: باطلهم {يلعبون} أي: يستهزؤن ويسخرون، وفيه وعيد تهديد للمشركين وقال بعضهم: هذا منسوخ بآية السيف
{
وهذا} أي: القرآن {كتاب أنزلناه مبارك} أي: كثير الخير والبركة دائم النفع يبشر المؤمنين بالثواب والمغفرة ويزجر عن القبيح والمعصية، وأصل البركة النماء والزيادة وثبوت الخير {مصدّق الذي بين يديه} أي: قبله من الكتب الإلهية المنزلة من السماء على الأنبياء لأنها مشتملة على التوحيد والتنزيه لله تعالى وعلى البشارة والنذارة فثبت بذلك كون القرآن مصدقاً لجميع الكتب المنزلة، وقوله تعالى: {ولينذر} قرأه شعبة بالياء على الغيبة أي: لينذر الكتاب، والباقون بالتاء على الخطاب أي: ولتنذر يا محمد {أمّ القرى} أي: أهل مكة وسميت أمّ القرى لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم وأعظم القرى شأناً ولبعض المجاورين:
*فمن يلق في بعض القريات رحله ... فأمّ القرى ملقى رحالي ومنتابي*
وقيل: لأنّ الأرض دحيت من تحتها أو لأنها مكان أوّل بيت وضع للناس {ومن حولها} أي: جميع البلاد والقرى التي حولها شرقاً وغرباً {والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به} لأن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر حتى يؤمن بالنبيّ والكتاب والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعة، وتخصيص الصلاة في قوله تعالى {وهم على صلاتهم يحافظون} لأنها عماد الدين وعلم الإيمان ومن حافظ عليها كانت لطفاً له في المحافظة على أخواتها.
{ومن} أي: لا أحد {أظلم ممن افترى} أي: اختلق {على الله كذباً} فزعم أنّ الله بعثه نبياً كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي، أو اختلق عليه أحكاماً كعمرو بن لحيّ ومتابعيه {أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء} قال قتادة: نزلت في مسيلمة الكذاب من بني حنيفة وكان يسجع ويتكهن فادّعى النبوّة وزعم أنّ الله تعالى أوحى إليه وكان قد أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتشهدان أن مسيلمة نبيّ» قالا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم إذا أوتيت خزائن الأرض فوضع في يديّ سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحى الله تعالى إلي أن أنفحهما فنفحتهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب» وفي لفظ الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت في المنام كان في يدي سوارين فأولتهما