النفخة الثانية من إسرافيل عليه الصلاة والسلام وإنما أخبر سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذٍ وإن كان الملك له سبحانه وتعالى في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه لا منازع له يومئذٍ فإنّ من كان يدعي الملك من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم فاعترفوا أنّ الملك لله الواحد القهار وأنه لا منازع له تعالى فيه وعلموا أنّ الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا غرور وباطل.

تنبيه: اختلف العلماء في الصور المذكور في الآية فقال قوم: هو قرن ينفخ فيه وهو لغة أهل اليمن، وقال مجاهد: الصور قرن كهيئة البوق ويدل على صحة هذا القول ما روي أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه» .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ» فكان ذلك ثقل على الصحابة فقالوا: كيف نعمل يا رسول الله أو كيف نقول؟ قال: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة والنفخ فيها إحياؤها والأوّل أصح لما مرّ في الحديث ولإجماع أهل السنة أنّ المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين: نفخة الصعق ونفخة البعث للحساب {عالم الغيب والشهادة} أي: ما غاب وما شوهد فلا يغيب عن علمه تعالى شيء {وهو الحكيم} أي: في جميع أفعاله وتدبير خلقه {الخبير} بباطن الأشياء كظاهرها بكل ما يعملونه من خير أو شر.

{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر} اختلف العلماء في لفظة آزر فقال مجاهد: آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارح ضبطه بعضهم بالحاء المهملة وبعضهم بالخاء المعجمة، وقال البخاريّ في تاريخه الكبير: إبراهيم بن آزر وهو في التوراة تارخ فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان: آزر وتارخ مثل يعقوب وإسرائيل إسمان لرجل واحد فيحتمل أن يكون اسمه آزر وتارخ لقب له وبالعكس، فالله سماه آزر وإن كان عند النسابين والمؤرّخين اسمه تارح ليعرف بذلك وكان آزر أبو إبراهيم من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة وقال سعيد بن المسيب ومجاهد: آزر اسم صنم كان والد إبراهيم يعبده وإنما سماه بهذا الاسم لأنّ من عبد شيئاً أو أحبه جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسماً له فهو كقوله تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} (الإسراء، 71) وقيل: معناه وإذا قال إبراهيم لأبيه: يا عابد آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والأوّل أصح لأن آزر اسم أبي إبراهيم لأنّ الله تعالى سماه به وأخرج البخاري في أفراده أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يلقى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه آزر يوم القيامة على وجهه» أي: آزر فترة وغبرة الحديث سماه النبيّ صلى الله عليه وسلم آزر أيضاً ولم يقل أباه تارح كما نقل عن النسابين والمؤرخين فثبت بهذا أنّ اسمه الأصلي آزر لا تارح وكان أهل تلك البلاد وهم الكنعانيون يعتقدون إلهية النجوم في السماء والأصنام في الأرض فيجعلون لكل نجم صنماً فإذا أرادوا التقرب إلى ذلك النجم عبدوا ذلك الصنم ليشفع لهم عند ذلك النجم فقال إبراهيم منكراً عليهم منبهاً لهم على ظهور فساد ما هو مرتكبه {أتتخذ} أي: أتكلف نفسك إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل {أصناماً آلهة} أي: تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر {إني أراك وقومك} أي: في إتفاقكم على هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015