يديه تعجباً لما يسمعن منه، والطير ترفرف على رؤوسهم، فلما قارف الذنب لم ير ذلك فقيل له: ذاك أنس الطاعة وهذا وحشة المعصية، قال السيوطي في شرح التنبيه: إنّ الزبور مئة وخمسون سورة ما بين قصار وطوال، والطويلة منها قدر ربع حزب، والقصيرة قدر سورة النصر اه.
وعن أبي موسى قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو رأيتني البارحة وأنا أسمع لقراءتك لقد أعطيت مزماراً من مزامير داود» وكان عمر إذا رآه قال: ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده، وإنما خص هؤلاء بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تعظيماً لهم، وقوله تعالى: {ورسلاً} أي: غير هؤلاء نصب بمضمر دل عليه أوحينا إليك مثل أرسلنا {قد قصصناهم} أي: تلونا ذكرهم {عليك من قبل} أي: قبل إنزال هذه السورة أو هذه الآية {ورسلاً لم نقصصهم عليك} أي: إلى الآن.
روي أنه سبحانه وتعالى بعث ثمانية آلاف نبيّ: أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس، قاله الجلال المحلي في سورة غافر، وقوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً} هو منتهى مراتب الوحي أي: كلمه على التدريج شيئاً فشيئاً بحسب المصالح بغير واسطة ملك، فلا فرق في الوحي بين ما كان بواسطة وبين ما كان بلا واسطة وخص به موسى من بين سائر الأنبياء غير نبينا، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد فضله الله بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم وقوله تعالى:
{رسلاً} بدل من رسلاً قبله {مبشرين} أي: بالثواب من آمن {ومنذرين} أي: مخوّفين بالعذاب من كفر وقوله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة} متعلق بأرسلنا أو بمبشرين ومنذرين أي: حجة فقال: {بعد} إرسال {الرسل} فيقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين، فبعثناهم لقطع عذرهم.
فإن قيل: كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله تعالى من الأدلة التي النظر فيها يوصل إلى المعرفة؟ أجيب: بأنّ الرسل ينبهون عن الغفلة وباعثون على النظر في الأدلة فإرسالهم ضروري {وكان الله عزيزاً} في ملكه لا يغلب فيما يريده {حكيماً} في صنعه.
روي أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد بالجنة» ، قال ابن عباس: إن رؤساء مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنا سألنا عنك اليهود وعن صفتك في كتابهم، فزعموا أنهم لا يعرفونك، ودخل عليهم جماعة من اليهود فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم «والله إنكم لتعلمون أني رسول الله» فقالوا: والله ما نعلم ذلك أنزل الله عز وجل:
{لكن الله يشهد} أي: يبيّن نبوّتك {بما أنزل إليك} أي: من القرآن المعجز الدال على نبوّتك إن جحدوك وكذبوك {أنزله} متلبساً {بعلمه} الخاص به وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل بليغ.
وروي أنه لما نزل {إنا أوحينا إليك} قالوا: ما نشهد لك فنزلت {والملائكة يشهدون} لك أيضاً {وكفى با شهيداً} على ذلك بما قام من الحجج على صحة نبوّتك عن الاستشهاد بغيره {إنّ الذين كفروا وصدوا} الناس