الكتاب} أي: القرآن {والحكمة} أي: السنة فإنها ليست قرآناً يتلى وفسرت أيضاً بأنها علم الشرائع وكل كلام وافق الحق {وعلمك ما لم تكن تعلم} أي: من المشكلات وغيرها غيباً وشهادة من أحوال الدين والدنيا {وكان فضل الله عليك عظيماً} أي: بهذا وبغيره من أمور لا تدخل تحت الحصر، وفي هذا دليل على أن العلم من أشرف الفضائل.

{لا خير في كثير من نجواهم} أي: الناس قوم طعمة فإنهم ناجوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الدفع عنه وكذا غيرهم {إلا} نجوى {من أمر بصدقة} واجبة أو مندوبة {أو معروف} أي: عمل بر، وقيل: المراد بالصدقة الواجبة، وبالمعروف صدقة التطوّع {أو إصلاح بين الناس} وسواء إصلاح ذات البين وغيرهم قال صلى الله عليه وسلم «كلام ابن آدم كله عليه لا لهُ إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله» ، وسمع سفيان رجلاً يقول: ما أشدّ هذا الحديث فقال: ألم تسمع الله يقول: {لا خير في كثير من نجواهم} فهو هذا بعينه أو ما سمعته يقول: {والعصر إن الإنسان لفي خسر} فهو هذا بعينه.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟» قلنا: بلى يا رسول الله قال: «إصلاح ذات البين، وإفساد ذات البين هي الحالقة» .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال «ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال: خيراً أو أثنى خيراً» {ومن يفعل ذلك} أي: هذا المذكور {ابتغاء} أي: طلب {مرضاة الله} أي: لا غيره من أمور الدنيا؛ لأنّ الأعمال بالنيات {فسوف يؤتيه} أي: الله في الآخرة بوعد لا خلف فيه {أجراً عظيماً} هو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم، وفي هذه الآية دلالة على أنّ المطلوب من أعمال الظاهر رعاية أحوال الباطن في إخلاص النية وتصفية القلب من الالتفات إلى غرض دنيوي، وقرأ أبو عمرو وحمزة (يؤتيه) بالياء، والباقون بالنون.

{ومن يشاقق الرسول} أي: يخالفه فيما جاء به مأخوذ من الشق، فإنّ كلاً من المتخالفين في شق غير شق الآخر {من بعدما تبين} أي: ظهر {له الهدى} أي: الدليل الذي هو سببه {ويتبع} طريقاً {غير سبيل المؤمنين} أي: طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يتبع غير دين الإسلام {نوله ما تولى} أي: نجعله والياً لما تولاه بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا {ونصله} أي: ندخله في الآخرة {جهنم} يحترق فيها {وساءت مصيراً} أي: مرجعاً هي، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة (نوله) و (نصله) بسكون الهاء، واختلس كسرة الهاء قالون ولهشام وجهان: الإختلاس كقالون، وإشباع الحركة كباقي القرّاء.

فإن قيل: ما الحكمة في فك الإدغام في قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول} والإدغام في سورة الحشر في قوله: {ومن يشاق الله} (الحشر، 4)

أجيب: بأن أل في لفظ الجلالة لازم بخلافه في الرسول واللزوم يقتضي الثقل، فخفف بالإدغام فيما صحبته الجلالة بخلاف ما صحبه لفظ الرسول.

فإن قيل: يرد هذا قوله تعالى في سورة الأنفال: {ومن يشاقق الله ورسوله} (الأنفال، 13)

أجيب: أنه لما انضم الرسول إلى الله صار المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد {إن الله لا يغفر أن يشرك به} أي: وقوع الشرك به من أيّ شخص كان وبأي شيء كان {ويغفر ما} أي: كل شيء هو {دون ذلك} أي: من سائر المعاصي لكن {لمن يشاء} لأنّ جميع الأمور بمشيئته.

روي «أنّ شيخاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015