أعدّها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتموه فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» وإنما يجب الجهاد على كل مسلم مكلف حرّ ذكر مستطيع له وهو فرض كفاية للآية المتقدّمة إذا كان الكفار ببلادهم ويجب على الإمام أن يغزوهم في كل عام مرّة بنفسه أو بنائبه أو بشحن الثغور بما يقاوم العدوّ، وأمّا إذا دخلوا بلادنا والعياذ بالله تعالى تعين على أهل البلدة وعلى من دون مسافة القصر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويجب على من هو في مسافة القصر بقدر الكفاية وإن أسروا مسلماً لزمنا النهوض لخلاصه إن رجى وإن لم يدخلوا بلادنا.
*ولقد أمر على اللئيم يسبني*
فصح جعل غير صفة للقاعدين {والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} أي: لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة.
تنبيه: فائدة ذكر قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون} إلخ.. تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعاً لرتبته واتقاء عن انحطاط منزلته.
وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: «إنّ في المدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه» قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة قال: «نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر» {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين} لضرر {درجة} أي: فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهد بالمباشرة {وكلاً} من القاعدين لضرر والمجاهدين {وعد الله الحسنى} أي: الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} لغير ضرر {أجراً عظيماً} ويبدل منه.
{درجات منه} أي: منازل بعضها فوق بعض من الكرامة، وقوله تعالى: {ومغفرة ورحمة} منصوبان بفعلهما المقدر {وكان الله} أي: ولم يزل {غفوراً} لأوليائه {رحيماً} بأهل طاعته.
وروى أبو سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا سعيد من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وجبت له الجنة» قال: فعجب بها أبو سعيد فقال: أعدها يا رسول الله ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأخرى يرفع الله بها العبد مئة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض» فقال: وما هي يا رسول الله قال: «الجهاد في سبيل الله» وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» قالوا: يا رسول الله أفلا ننذر الناس بذلك؟ فقال: «إنّ في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتموه فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» وإنما يجب الجهاد على كل مسلم مكلف حرّ ذكر مستطيع له وهو فرض كفاية للآية المتقدّمة إذا كان الكفار ببلادهم ويجب على الإمام أن يغزوهم في كل عام مرّة بنفسه أو بنائبه أو بشحن الثغور بما يقاوم العدوّ، وأمّا إذا دخلوا بلادنا والعياذ بالله تعالى تعين على أهل البلدة وعلى من دون مسافة القصر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويجب على من هو في مسافة القصر بقدر الكفاية وإن أسروا مسلماً لزمنا النهوض لخلاصه إن رجى وإن لم يدخلوا بلادنا.
ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فلما خرجوا إلى بدر رجعوا معهم فقتلوا مع الكفار.
{إنّ الذين توفّاهم الملائكة} أي: ملك الموت وأعوانه أو ملك الموت وحده كما قال تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} (السجدة، 11)
والعرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع {ظالمي أنفسهم} أي: في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة بالمقام في دار الشرك فإنّ الهجرة كانت واجبة قبل فتح مكة ثم نسخ الوجوب بعد فتحها فقال صلى الله عليه وسلم «لا هجرة بعد الفتح» وقرأ البزيّ بتشديد التاء المثناة فوق من توفاهم في الوصل، والباقون بالتخفيف، وأدغم أبو عمرو التاء في الظاء بخلاف عنه، والباقون بغير إدغام {قالوا} أي: الملائكة لهم {فيم كنتم} أي: في أي شيء كنتم من أمر دينكم، وقرأ البزيّ (فيمه) بالهاء بعد الميم في الوقف بخلاف عنه {قالوا} معتذرين مما وبخوا به {كنا مستضعفين} أي: عاجزين عن إظهار الدين وإعلاء كلمته {في الأرض} أي: في أرض مكة {قالوا} أي: الملائكة تكذيباً لهم وتوبيخاً {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} من أرض الكفر إلى بلد أخرى كما فعل غيركم من المهاجرين إلى المدينة والحبشة، قال تعالى: {فأولئك مأواهم جهنم} أي: لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار {وساءت مصيراً} أي: جهنم، وفي الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان ما بينهما شبراً استوجبت أي: وجبت له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ثم استثنى أهل العذر منهم فقال:
{إلا المستضعفين} أي: الذين وجد ضعفهم في نفس الأمر وعدّوا ضعفاء وتقوّى عليهم غيرهم {من الرجال والنساء والولدان} ثم بين ضعفهم بقوله: {لا يستطيعون حيلة} أي: لا قوّة لهم على الهجرة ولا نفقة لهم {ولا يهتدون سبيلاً} أي: طريقاً إلى أرض الهجرة.
{فأولئك عسى الله أن يعفو} أي: يتجاوز {عنهم} وعسى من الله واجب للإطماع والله تعالى إذا أطمع عبده بشيء أوصله إليه ولكن في ذكر الإطماع والعفو إيذان بأن أمر الهجرة مضيق لا توسعة فيه حتى أنّ المضطرّ البين الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني فكيف بغيره {وكان الله عفوّاً غفوراً} قال ابن عباس: كنت أنا وأمي ممن عذر الله أي: من المستضعفين وكان صلى الله عليه وسلم يدعو لهؤلاء المستضعفين في كل صلاة، قال أبو هريرة: كان إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الأخيرة من صلاة العشاء قنت يقول: «اللهمّ أنج عياش بن ربيعة اللهمّ أنج الوليد بن الوليد اللهمّ أنج سلمة بن هشام