«لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم» وإنما يكون هذا في حال الصغر، وعند أبي حنيفة مدّة الرضاع ثلاثون شهراً لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} (الأحقاف، 15)
وهي عند الأكثرين لأقل مدّة الحمل وأكثر مدّة الرضاع وأقل مدّة الحمل ستة أشهر وابتداء الحولين من تمام انفصاله. والشرط الثاني: أن توجد خمس رضعات متفرّقات، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخت بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن أي: يقرؤهنّ من لم يبلغه نسخهنّ فقد نسخت تلاوتهنّ وبقي حكمهنّ، وهذا ما ذهب إليه الشافعي، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرم، وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب، وإليه ذهب سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة، ويقوي الأوّل قوله صلى الله عليه وسلم «لا تحرم المصة من الرضاع والمصتان» .
ثم ثلث بالسبب الثالث وهو النكاح فقال تعالى: {وأمّهات نسائكم} أي: بواسطة أو بغيرها من نسب أو رضاع سواء أدخل بزوجته أم لا لإطلاق الآية {وربائبكم} جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره وسميت ربيبة؛ لأنه يربيها كما يربي ولده في غالب الأمر، ثم اتسع فيه وسميت بذلك وإن لم يربها وقوله تعالى: {اللاتي في حجوركم} أي: تربونها صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها {من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ} أي: جامعتموهنّ سواء أكان ذلك بعقد صحيح أم فاسد لإطلاق الآية {فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم} أي: في نكاح بناتهنّ إذا فارقتموهنّ.
فإن قيل: لم أعيد الوصف إلى الجملة الثانية ولم يعد إلى الجملة الأولى {وهي وأمّهات نسائكم} مع أنّ الصفات عقب الجمل تعود إلى الجميع؟ أجيب: بأنّ نساءكم الثاني مجرور بحرف الجرّ، ونساءكم الأول مجرور بالإضافة، وإذا اختلف العامل لم يجز الإتباع وتعين القطع واعترض بأنّ المعمول الجرّ وهو واحد.
تنبيه: قضية كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه يعتبر في الدخول أن يقع في حياة الأمّ فلو ماتت قبل الدخول ووطئها بعد موتها لم تحرم بنتها؛ لأنّ ذلك لا يسمى دخولاً وإن تردّد فيه الروياني.
فإن قيل: لِمَ لم يعتبر الدخول في تحريم أصول البنت واعتبر في تحريمها الدخول؟ أجيب: بأنّ الرجل يبتلى عادة بمكالمة أمّها عقب العقد لترتيب أموره فحرمت بالعقد ليسهل ذلك عليه بخلاف بنتها واستدخال الماء المحترم يثبت المصاهرة كالوطء، وتحرم البنت المنفية باللعان وإن لم يدخل بأمّها؛ لأنها لا تنتفي عنه قطعاً {وحلائل} أي: أزواج {أبنائكم} واحدتها حليلة والذكر حليل سميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما حلال لصاحبه، وقيل: سميا بذلك؛ لأن كل واحد يحلّ إزار صاحبه من الحل وهو ضدّ العقد وقوله تعالى: {الذين من أصلابكم} احتراز عن حليلة المتبنى فإنها لا تحرم على الرجل الذي تبناه، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة زيد بن حارثة وكان تبناه صلى الله عليه وسلم لا عن حليلة ولده من الرضاع فإنها تحرم عليه، ولا عن حلائل أبناء الولد وإن سفلوا.x
تنبيه: كل امرأة تحرم عليك بعقد النكاح تحرم بالوطء في ملك اليمين والوطء بشبهة النكاح، فإذا وطىء امرأة بشبهة أو جارية بملك اليمين حرم على الواطىء أمّها وبنتها، وتحرم الموطوءة على أبي الواطىء وابنه،