أي: ظلماً {وإثماً مبيناً} أي: بيناً حال أي: أتأخذونه باهتين وآثمين، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قام خطيباً فقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين لِمَ تمنعنا حقاً جعله الله لنا والله تعالى يقول: {وآتيتم إحداهنّ قنطاراً} فقال عمر رضي الله تعالى عنه: كل أحد أعلم من عمر ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل هذا القول ولا تنكرونه عليّ حتى تردّ عليّ امرأة ليست من أعلم النساء.
وقوله تعالى:
{وكيف تأخذونه} استفهام توبيخ وإنكار أي: تأخذونه بأي وجه {وقد أفضى} أي: وصل {بعضكم إلى بعض} بالجماع المقرّر للمهر وكنى الله تعالى عن الجماع بالإفضاء وهو الوصول إلى الشيء من غير واسطة تعليماً لعباده؛ لأنه مما يستحيا منه {وأخذن منكم ميثاقاً} أي: عهداً {غليظاً} أي: شديداً وهو ما أخذه الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله» . وقد قيل: صحبة عشرين يوماً قرابة فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج. ولما توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار خطب ابنه قيس امرأة أبيه وكان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم فقالت: إني أعدّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره فأتته وأخبرته بذلك فنزل.
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وإنما عبر بما دون من؛ لأنه أريد به صفة ذات معينة وهي كونهنّ منكوحات الآباء، وقيل: ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر وقوله تعالى: {إلا ما قد سلف} استثناء من المعنى اللازم للنهي فكأنه قيل: تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ للمبالغة في التحريم، والمعنى: لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوه ولا يمكن ذلك والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قوله تعالى: {حتى يلج الجمل في سم الخياط} (الأعراف، 40)
أو منقطع أي: لكن ما قد سلف من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه وقوله تعالى: {إنه} أي: نكاحهنّ {كان فاحشة ومقتاً} علة للنهي أي: إنه فاحشة فكان مزيدة أي: قبيحاً عند الله تعالى ما رخص فيه لأمّة من الأمم ممقوتاً عند ذوي المروءات من الجاهلية وغيرهم وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه: المقتى ويسمي به الرجل المذكور أيضاً قال في «القاموس» : نكاح المقت أن يتزوّج امرأة أبيه بعده فالمقتى ذلك المتزوّج أو ولده أي: ومن ثم قيل: ومقتاً كأنه قيل: هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين {وساء} أي: بئس {سبيلاً} أي: طريقاً ذلك، روي عن البراء بن عازب أنه قال: «مرّ بي خالي ومعه لواء فقلت: أين تذهب؟ فقال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوّج امرأة أبيه آتيه برأسه» .
واعلم أن أسباب التحريم المؤبد ثلاثة: قرابة ورضاع ومصاهرة وضابط المحرمات بالنسب والرضاع أن يقال: محرم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة وقد بدأ الله بالسبب الأوّل وهو القرابة فقال:
{حرّمت عليكم