امرأة وبنتين وأخاً، فأخذ الأخ المال، فأتت امرأة سعد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد فقالت: يا رسول الله إنّ هاتين ابنتا سعد وإن سعداً قتل يوم أحد شهيداً وإن عمهما أخذ مالهما، ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال صلى الله عليه وسلم «ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك» فنزلت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما وقال: «أعط ابنتي سعد الثلثين وأمّهما الثمن وما بقي فهو لك» فهذا أوّل ميراث قسم في الإسلام، وكأنه قيل: كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث، ولا يضارون في حظهنّ حتى يحرمن مع إدلائهنّ مع القرابة مثل ما يدلون به.
فإن قيل: حظ الأنثيين الثلثان فكأنه قيل للذكر الثلثان؟ أجيب: بأنّ المراد حالة الاجتماع كما مرّ أما في حالة الانفراد فالابن يأخذ المال كله، والبنتان يأخذان الثلثين والدليل على أنّ الغرض حكم الاجتماع أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله تعالى: {فإن كنّ} أي: إن كان الأولاد {نساء} خلصاً ليس معهنّ ذكر، وأنث الضمير باعتبار الخبر أو على تأويل المولودات وقوله تعالى: {فوق اثنتين} خبر ثان أو صفة لنساء أي: نساء زائدات على اثنتين.
فإن قيل: قوله تعالى: للذكر مثل حظ الأنثيين كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد لا لبيان حظ الأنثيين، فكيف صح أن يردف قوله: {فإن كن نساء} وهو لبيان حظ الإناث؟ أجيب: بأنه وإن كان مسوقاً لبيان حظ الذكر إلا أنه لما علم منه حظ الأنثيين مع أخيهما كان كأنه مسوق للأمرين جميعاً فلذلك صح أن يقال: فإن كنّ نساء {فلهن ثلثا ما ترك} أي: المتوفى منكم ويدل عليه المعنى {وإن كانت} أي: المولودة {واحدة فلها النصف} وقرأ نافع واحدة بالرفع على كان التامّة، والباقون بالنصب على كان الناقصة.
واختلف في ميراث الأنثيين فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: حكمهما حكم الواحدة؛ لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما، وقال الباقون: حكمهما حكم ما فوقهما؛ لأنه تعالى لما بين أنّ حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى، وهو الثلثان، اقتضى ذلك أنّ فرضهما الثلثان ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العدد ردّ ذلك بقوله تعالى: {فإن كنّ نساء فوق اثنتين} ويؤيد ذلك أنّ البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالأولى والأحرى أن تستحقه مع أخت مثلها، ويؤيده أيضاً إنّ البنتين أمسّ رحماً من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله: {فلهما الثلثان مما ترك} وقيل: فوق صلة وقيل: لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما أفهم استحقاق البنتين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر {ولأبويه} أي: الميت وقوله تعالى: {لكل واحد منهما السدس مما ترك} بدل بعض من كل فالسدس مبتدأ ولأبويه خبر وفائدة البدل دفع توهم أن يكون للأب ضعف ما للأم أخذاً من قوله تعالى: {للذكر مثل حظ الأنثيين} وبهذا اندفع كما قال التفتازاني إنّ البدل ينبغي أن يكون بحيث لو أسقط استقام الكلام معنى، وهنا لو قيل: لأبويه السدس لم يستقم هذا {إن كان له} أي: الميت {ولد} ذكر أو غيره وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجدّ {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه} أي: فقط بقرينة المقام {فلأمه الثلث} مما ترك وإنما لم يذكر حصة الأب؛ لأنه لما فرض أنّ الوارث أبواه فقط، وعين نصيب الأمّ علم أنّ الباقي للأب، وكأنه قال: فلهما ما ترك أثلاثاً، ولو كان معهما أحد الزوجين كان لها ثلث ما بقي بعد فرضه كما قال الجمهور