وسفيان بن عيينة: إنما أمر بذلك ليقتدي به غيره في المشاورة وتصير سنة ورابعها: أنه عليه الصلاة والسلام شاورهم في وقعة أحد أشاروا عليه بالخروج وكان ميله أن لا يخرج، فلما خرج وقع ما وقع فلو ترك مشاورتهم بعد ذلك لكان ذلك يدل على أنه بقي في قلبه منهم بسبب مشاورتهم شيء، فأمر الله تعالى بمشاورتهم بعد تلك الواقعة ليدل على أنه لم يبق في قلبه أثر من تلك الواقعة وخامسها: أمره بالمشاورة لا ليستفيد منهم رأياً ولكن ليعلم مقادير عقولهم ومحبتهم له. وذكروا أيضاً وجوهاً أخر، وفي هذا القدر كفاية واتفقوا على أن كل ما نزل فيه وحي من عند الله لم يجز للرسول أن يشاور الأمّة فيه؛ لأنّ النص إذا جاء بطل الرأي {فإذا عزمت} أي: قطعت الأمر على إمضاء ما تريد بعد المشاورة {فتوكل على الله} أي: ثق به لا بالمشاورة فليس التوكل إهمال التدبير بالكلية بل بمراعاة الأسباب مع تفويض الأمر إلى الله تعالى {إن الله يحب المتوكلين} عليه فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.

{إن ينصركم الله} أي: يعنكم على عدوّكم كيوم بدر {فلا غالب لكم} أي: فلا يغلبكم أحد {وإن يخذلكم} بترك نصركم كيوم أحد {فمن ذا الذي ينصركم من بعده} أي: من بعد خذلانه أي: لا أحد ينصركم. وفي هذا تنبيه على المقتضي للتوكل وتحريض على ما يستحق به النصر من الله وتحذير عما يستجاب خذلانه {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي: فليخصوه بالتوكل عليه لما علموا أن لا ناصر سواه؛ لأنّ إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه.

{وما كان لنبي أن يغل} أي: ما صح لنبيّ أن يخون في الغنائم فإنّ النبوّة تنافي الخيانة واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن عباس: نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، وقال مقاتل: نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم تقسم يوم بدر، فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلم «ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟» فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً، فقال لهم صلى الله عليه وسلم «بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم؟» وقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذا في الوحي يقول ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة، كان صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن وفيه سب دينهم وسب آلهتهم فسألوا أن يترك ذلك فنزلت.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم غنم في بعض الغزوات وجمع الغنائم وتأخرت القسمة لبعض الموانع، فجاء قوم وقالوا: ألا نقسم غنائمنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «لو كان لكم مثل أحد ذهباً ما حبست عليكم منه درهماً أتحسبون أني أغلكم مغنمكم» فنزلت وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء وضم الغين على البناء للفاعل والباقون بضم الياء وفتح الغين على البناء للمفعول والمعنى على هذا وما صح لنبي أن يوجد غالاً أو ينسب إلى الغلول {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} قال أكثر المفسرين: إنّ هذه الآية على ظاهرها، قالوا: وهي نظير قوله تعالى في مانعي الزكاة {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم} (التوبة، 35)

ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم «لا ألقين أحدكم يجيء على رقبته يوم القيامة ببعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها نغاء فينادي: يا محمد فأقول: لا أملك لك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015