بوجهين: أحدهما لعله خص هذه الأمة بزيادة الشرف لأنه لا يقال في صفات العبد: غفار، ويقال: تواب إذا كان آتياً بالتوبة فيقول تعالى: كنت لي سمياً من أوّل الأمر أنت مؤمن وأنا مؤمن، وإن كان المعنى: مختلفاً فتب حتى تصير سمياً في آخر الأمر، وأنت تواب وأنا تواب ثم التوّاب في حق الله تعالى إنه يقبل التوبة كثيراً. فيجب على العبد أن يكون إتيانه بالتوبة كثيراً. وثانيهما: أنه تعالى إنما قال تواباً لأنّ القائل قد يقول استغفر الله وليس بتائب كقوله عليه الصلاة والسلام: «المستغفر بلسانه المصر بقلبه كالمستهزئ بربه» .
فإن قيل: قد يقول أتوب وليس بتائب؟ أجيب: بأن ذا يكون كاذباً لأنّ التوبة اسم للرجوع والندم، بخلاف الاستغفار فإنه لا يكون كاذباً فيه فصار تقدير الكلام: واستغفره بالتوبة، وفيه تنبيه على أنّ خواتيم الأعمال يجب أن تكون بالتوبة والاستغفار فكذا خواتيم الأعمار. وأجيب عن الثالث: بأنه تعالى راعى العدل فذكر اسم الذات مرّتين، وذكر اسم الفعل مرّتين أحدهما الرب، والثاني التوّاب. ولما كانت التربية تحصل أولاّ والتوبة آخراً، لا جرم ذكر اسم الرب أولاً واسم التوبة آخراً فنسأل الله تعالى من فضله وكرمة أن يمنّ علينا بتوبة نصوح لا ننكث بعدها أبداً، فإنه كريم رحيم.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة {إذا نصر الله} «أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد يوم فتح مكة» حديث موضوع.
سورة تبت مكية
وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة وسبعة وسبعون حرفاً
{بسم الله} المتكبر الجبار المضل الهاد {الرحمن} الذي عمّ خلقه بنعمه بعد الإكرام بالإيجاد {الرحيم} الذي خص بتوفيقه أهل الوداد
وقوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} دعاء عليه، وسبب نزول ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: لما نزل قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214)
صعد صلى الله عليه وسلم الصفا جعل ينادي: «يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا عنده، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش، فقال: أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقون؟ قالوا: بلى/.
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك لهذا دعوتنا جميعاً فنزلت» .
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل ونادى: «يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش وذكر نحوه» .
وفي رواية فصعد الصفا فهتف: «يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد فاجتمعوا إليه فقال صلى الله عليه وسلم أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك أما جمعتنا إلا لهذا فنزلت» .
وعن أبي زيد أنّ ابا لهب أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم «كما يعطى المسلمون فقال ما لي عليهم فضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم وأيّ شيء تبتغي قال: تباً لهذا من دين أن أكون وهؤلاء سواء فنزلت» . ومعنى تبت قال ابن عباس: خابت. وقال قتادة: خسرت. وقال عطاء: صلت. وقال ابن جبير: هلكت والتباب الهلاك، ومنه قولهم: