وهي ست آيات وستة وعشرون كلمة وأربعة وسبعون حرفاً.
{بسم الله} الذي لا يستطيع أحد أن يقدره حق قدره {الرحمن} الذي عمّ برحمته من أوجب عليهم شكره {الرحيم} الذي وفق أهل ودّه فالتزموا نهيه وأمره
وقوله تعالى: {قل} أي: يا أشرف الخلق {يا أيها الكافرون} إلى آخر السورة نزل في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي، والعاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد، وأمية بن خلف. قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك ونشركك في امرنا كله، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيراً كنا قد شركناك فيه وأخذنا حظاً منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه، فقال: معاذ الله أن نشرك به غيره، قالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك، قال: حتى أنظر ما يأتي إليّ من ربي فأنزل الله تعالى هذه السورة، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا منه عند ذلك وأذوه وأصحابه، وفي مناداتهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدهم، ومحل عزهم وحميتهم إيذان بأنه محروس منهم علم من أعلام النبوّة.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في التحريم: {يا أيها الذين كفروا} (التحريم: 7)
وههنا قال: {قل يا أيها الكافرون؟} .
أجيب: بأنّ في سورة التحريم إنما يقال لهم يوم القيامة، وثم لا يكون رسولاً إليهم فأزال الواسطة فيكونون في ذلك الوقت مطيعين لا كافرين فلذلك ذكره تعالى بلفظ الماضي، وأمّا هنا فكانوا موصوفين بالكفر، وكان الرسول رسولاً إليهم فقال تعالى: {قل يا أيها الكافرون} ، أي: الذي قد حكم بثباتهم على الكفر فلا انفكاك لهم عنه فستروا ما تدلّ عليه عقولهم من الاعتقاد الحق لو جردّوها من أدناس الحظ وهم كفرة مخصوصون، وهم من حكم بموته على الكفر بما طابقه من الواقع، ودل عليه التعبير بالوصف دون الفعل، واستغرق اللام كل من كان على هذا الوصف في كل مكان وكل زمان، والتعبير بالجمع الذي هو أصل في القلة، وقد يستعار للكثرة إشارة إلى البشارة بقلة المطبوع على قلبه من العرب المخاطبين بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم
وقال الله تعالى له: {قل يا أيها الكافرون} لأنه صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالرفق واللين في جميع الأمور كما قال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران: 159)
وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} (آل عمران: 159)
وقال تعالى: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} (آل عمران: 159)
ثم كان مأموراً بأن يدعوهم إلى الله تعالى بالوجه الأحسن، فلذا خاطبهم بيا أيها فكانوا يقولون: كيف يليق هذا التغليظ بذلك الرفق، فأجاب بأني مأمور بهذا الكلام لا أني ذكرته من عند نفسي.
ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم قال:
{لا أعبد} أي: الآن {ما تعبدون} من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادات في سرّ ولا علن؛ لأنه لا يصلح للعبادة بوجه.
{ولا أنتم عابدون} أي: الآن {ما أعبد} وهو الله تعالى وحده.
{ولا أنا عابد} ، أي: في الاستقبال ما عبدتم} من دون الله تعالى.
{ولا أنتم عابدون} ، أي: في الاستقبال {ما أعبد} وهو الله وحده لا شريك له، وهذا خطاب لمن علم الله تعالى