الإشارة إلى بعض ذلك. فإن قيل: ما معنى المراآة؟ أجيب: بأنها مفاعلة من الإراءة، لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله صلى الله عليه وسلم «ولا غمة في فرائض الله» لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إناطة الهمة بالإظهار، وإن كان تطوّعاً فحقه أن يخفي لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتدار به كان جميلاً.
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم: أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطال، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة على أنّ اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» .
ثم بين أن من هو بهذه الصفة يغلب عليه الشح بقوله تعالى:
{ويمنعون} أي: على تجدد الأوقات {الماعون} أي: حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد: الماعون أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع. وعن عليّ أنها الزكاة. وقال محمد بن كعب الكلبيّ: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وقال قطرب: أصل الماعون من القلة، تقول العرب: ما له سعنة ولا معنة، أي: شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً لأنه قليل من كثير وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار. وقول البيضاويّ تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة أرأيت غفر له إن كان للزكاة مؤدّياً» حديث موضوع.
سورة الكوثر وتسمى سورة النحر مكية
في قول ابن عباس رضي الله عنهما والكلبي ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة، وهي ثلاث آيات وعشر كلمات واثنان وأربعون حرفاً
{بسم الله} الذي لا حد لفائض فضله {الرحمن} الذي شمل الخلائق بجوده فلا رادّ لأمره {الرحيم} الذي خص حزبه بالاعتصام بحبله
وقوله تعالى: {إنا} أي: بما لنا من العظمة {أعطيناك} أي: خوّلناك مع التمكين العظيم يا أشرف الخلق {الكوثر} أي: نهراً في الجنة هو حوضه صلى الله عليه وسلم ترد عليه أمّته، لما روي عن أنس أنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزل عليّ آنفاً سورة فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم؟ قال: فإنه نهر وعدنيه ربي خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمّتي، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك» . وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر