في وعيدهم بالعذاب {فعقروها} ، أي: عقرها الأشقى بسبب ذلك التكذيب، وأضيف إلى الكل؛ لأنهم رضوا بفعله، وإن كان العاقر جماعة فواضح. وقال قتادة: بلغنا إنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم. وقال الفرّاء: عقرها اثنان، والعرب تقول: هذان أفضل الناس وهذان خير الناس، وهذه المرأة أشقى القوم ولهذا لم يقل أشقياها.
{فدمدم} أي فأطبق {عليهم ربهم} ، أي: الذي أحسن إليهم فغمرهم إحسانه فقطعه عنهم بسبب تكذيبهم فأهلكهم وأطبق عليهم العذاب، يقال: دمدمت عليه القبر أطبقته عليه {بذنبهم} ، أي: بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم الناقة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: {دمدم عليهم ربهم بذنبهم} ، أي: بجرمهم. وقال القشيري: وقيل: دمدمت على الميت التراب، أي: سوّيته عليه. فالمعنى على هذا: فجعلهم تحت التراب، {فسوّاها} ، أي: فسوّى عليهم الأرض فجعلهم تحت التراب وعلى الأوّل فسوّى الدمدمة عليهم، أي: عمهم بها فلم يفلت منهم أحداً.
وقرأ {ولا يخاف} نافع وابن عامر بالفاء، والباقون بالواو فالفاء تقتضي التعقيب، والواو يجوز أن تكون للحال، وأن تكون للاستئناف الإخباري. وضمير الفاعل في يخاف الأظهر عوده على الله تعالى؛ لأنه أقرب مذكور، وهو قول ابن عباس، ويؤيده قراءة الفاء المسببة عن الدمدمة والتسوية والهاء في قوله تعالى: {عقباها} ترجع إلى الفعلة، وذلك لأنه تعالى يفعل ذلك بحقَ. وكل من فعل فعلاً يحق فإنه لا يخاف عاقبة فعله.
وقيل: المراد تحقيق ذلك الفعل والله تعالى أجل من أن يوصف بذلك. وقيل: المعنى أنه تعالى بالغ في الإنذار إليهم مبالغة كمن لا يخاف عاقبة عذابهم. وقيل: يرجع ذلك إلى رسولهم صالح عليه السلام، أي: لا يخاف عقبى هذه العقوبة لإنذاره إياهم ونجاه الله وأهلكهم. وقال السدّي: يرجع الضمير إلى أشقاها، أي: انبعث لعقرها والحال أنه غير خائف عاقبة هذه الفعلة الشنعاء.
وقرأ الكسائي جميع رؤوس آي هذه السورة بالإمالة محضة، وقرأها أبو عمرو بين بين، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين، وأمال حمزة مثل الكسائي إلا تلاها وضحاها ففتحهما، والباقون بالفتح واتفقوا على فتح فعقروها. وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة والشمس فكأنما تصدّق بكل شيء طلعت عليه الشمس والقمر» حديث موضوع.
سورة والليل مكية
وهي إحدى وعشرون آية وإحدى وسبعون كلمة وثلاثمائة وعشرة أحرف
{بسم الله} الملك الحق المبين {الرحمن} الذي عمّ رزقه العالمين {الرحيم} الذي خص بجنته المؤمنين.
وقوله تعالى: {والليل} ، أي: الذي هو آلة الظلام {إذا يغشى} قسم. وقد مرّ الكلام على ذلك، ولم يذكر تعالى مفعولاً للعلم به، فقيل: يغشى بظلمته كل ما بين السماء والأرض، وقيل: يغشى النهار، وقيل: الأرض، وقيل: الخلائق. قال قتادة: أوّل ما خلق الله تعالى النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلماً، والنور نهاراً مضيئاً مبصراً.
وقوله تعالى: {والنهار} ، أي: الذي هو سبب انكشاف الأمور {إذا تجلى} ، أي: تكشف وظهر قسم آخر. قال الرازي: أقسم بالليل الذي يأوي